علي الرغم من الفوائد الكثيرة لبناء السد العالي والتي من أهمها توفير عنصري التنمية الماء والكهرباء بالإضافة إلي إنتاج المزيد من الغذاء ودرء أخطار الفيضان وما كان يسببه من دمار شمال في قري الصعيد تمتد حتي محافظات الدلتا. إلا أن هناك ميزات أخري غير منكرة للفيضان والتي من أهمها جلب نحو4 ملايين طن من الطمي الخصب سنويا يضيف الكثير من الخصوبة إلي الأرض الزراعية ويقلل من استخدام الأسمدة الكيميائية الملوثة للبيئة والمدمرة لصحة الإنسان. العامل الأهم في الفيضان كان غمر الترب الزراعية بالمياه العذبة لمدة ثلاثة أشهر كل عام بما يتسبب في غسيل تراكمات الأملاح والملوثات المستخدمة في الزراعة ويعد غسيلا دوريا وحماما سنويا للأراضي الزراعية المصرية لإزالة كل الأضرار التي يمكن أن تعلق بها. تدهور الثروة الحيوانية وعدم الإدراك الجيد لأهمية السماد العضوي الذي جعل العالم يتجه الآن إلي الزراعة العضوية أخذ بالزراعة المصرية إلي استخدام المزيد من الأسمدة الكيميائية لتعويض نقص السماد العضوي في ظل عدم الاهتمام بتحويل قمامة المدن والمخلفات الزراعية إلي أسمدة عضوية مطلوبة ومفيدة بشدة للترب والزراعات. الزراعة لمرتين في العام بعد انتهاء عصر الفيضان في مناخ مصر الحار الرطب أدي إلي زيادة الإصابات المرضية والحشرية للزراعات القائمة بما أخذنا أيضا إلي استخدام المزيد من المبيدات الكيميائية الملوثة للتربة والغذاء ومياه المصارف. ندرة المياه والحاجة إلي تدبير المزيد من المياه لزيادة الرقعة الزراعية أدي إلي التوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي في الري خاصة في محافظات الدلتا والتي تضم أكثر70% من الأراضي الزراعية المصرية, وهذه النوعية من مياه الصرف محملة بمتبقيات الأسمدة الزراعية والمبيدات الكيميائية إضافة إلي كونها تعمل أيضا كبالوعات للصرف الصحي نتيجة لأن المستفيدين من خدمة الصرف الصحي في القري لا يتجاوز1% فقط والمتوسط العام لمصر لا يتجاوز11% فقط, كما وأن الصرف الصناعي لأكثر من120 مصنعا تلقي بنحو4,5 مليار متر مكعب من المياه القاتلة إلي مياه النيل والترع والمصارف( تقرير حالة البيئة في مصر وزارة البيئة يونيه2009). هذه النوعية الحالية لمياه الصرف والترع التي تستخدم في الزراعة وإنتاج الغذاء والتي توضح مدي تنامي التلوث بعد غياب الفيضان السنوي للنيل وبالتالي الحاجة الماسة لمصدر جديد يقوم بما كان يقوم به الفيضان لغسيل الأملاح من الترب الزراعية بالإضافة إلي ما أستحدث من الملوثات من المصارف والمياه الجوفية وهو ما لا يتوافر إلا في محصول الأرز الذي يتحمل النمو في الأراضي المالحة والري بنوعيات سيئة من مياه الري ويقوم بتخفيف التلوث الحادث الآن في المصارف التي تتجه إليها مياه ري الأرز وفي نفس الوقت يدر عائدا مجزيا واقتصاديا للمزارع والدولة. هذا المثال النادر لمحصول مثل الأرز لا يوجد له مثيل من حيث غسيله للتلوث واستفادته من كل هذه الظروف المعاكسة والتي لا تصلح لنمو العديد من الحاصلات الأخري ولكننا رفضنا كل ذلك لحسابات خاطئة. فمن المعلوم أن استهلاك الفرد في مصر في الظروف العادية( قبل ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن) من الأرز تبلغ45 كيلوجراما سنويا أي أن الشعب المصري يستهلك3,6 مليون طن كل عام من الأرز الأبيض ينتج من4,5 مليون طن الأرز الشعير ومن نحو1,2 فدان. وحيث أن استراتيجيات الدول تقوم دائما علي توفير20% من الإنتاج كمخزون استراتيجي للطوارئ تحسبا لارتفاع أسعار السلع البديلة مثل المكرونة التي تنتج من القمح وبالتالي يمكن أن ترتفع أسعارها في حال ارتفاع أسعار القمح عالميا والتي نستورد نحو75% من احتياجاتنا من الخارج(10 ملايين طن من إجمالي14 مليون طن استهلاكا كليا) أو مخزون استراتيجي في حال تدهور إنتاجية محصول الموسم القادم لظروف جوية أو حشرية, وبالتالي فالأمر يستلزم زراعة نحو1,4 مليون فدان لتأمين احتياجاتنا من محصول الأرز الاستراتيجي, والإدعاء بأن تخفيض زراعات الأرز لهذا العام إلي1,1 مليون فدان بالمقارنة بمساحة1,8 مليون فدان في العام الماضي قد وفر لمصر نحو3 مليارات متر مكعب من المياه كانت تهدر قول فيه الكثير من عدم الدقة لأنه لا يوجد إهدار في مياه الأرز لأنها تذهب إلي المصارف الزراعية ويعاد استخدامها مرة ومرات عديدة في الري. بالإضافة إلي ذلك فإن تحليل مياه المصارف الزراعية في الدلتا خلال موسم الصيف تبين تحسنا كبيرا في نوعية هذه المياه عن مثيلاتها في فصل الشتاء وتخفيفا محمودا لمعدلات التلوث ينعكس في الحفاظ علي صحة المزارعين وتقليل كم التلوث في محاصيل الغذاء الناتجة من الزراعة وبالتالي فإن زراعات الأرز لها الفضل في تحسين نوعية مياه المصارف وتقوم بما كان يقوم به الفيضان في السابق بعائد اقتصادي مربح ومستقبل أفضل لنوعية الزراعات وصفات التربة الزراعية ودخل سنوي للدولة لا يقل عن مليار دولار من تصدير نحو مليون إلي1,2 مليون طن أرز سنويا. عندما ترتفع نسبة الصرف الصحي في الريف المصري إلي75% ويعاد الالتزام بوجود الترنشات خلف كل منزل لم يصله الصرف الصحي, وعندما يجرم إلقاء مياه الصرف الصحي في المصارف الزراعية وعندما تلتزم المائة وعشرون مصنعا بإنشاء وحدات لمعالجة مياه الصرف الصناعي وإعادة تدويرها داخل المصانع مع إنشاء شبكة خاصة للصرف الصناعي, وعندما ينخفض معدل الزيادة السكانية في الريف حينئذ فقط يمكننا تقليص مساحات زراعات الأرز إلي1,4 مليون فدان حتي لا ترتفع أسعار الأرز وبدائله من المكرونة والخبز وترتفع أيضا معدلات الإصابة بالسرطان والفيروسات الكبدية والفشل الكلوي بسبب ارتفاع نسب التلوث في مياه المصارف والترع التي تستخدم في الري وإنتاج الغذاء.