الذي يقرأ تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأممالمتحدة حول الأوضاع في مصر, ويقرأ استطلاع الرأي الصادر عن الحزب الوطني للأوضاع في مصريكتشف أن الفوارق كبيرة. بين الاثنين لدرجة قد تدفعنا للظن بأن كلا منهما يتحدث عن بلد مختلف وليس عن مصر. 1فاستطلاع الحزب الوطني مثلا يقول: إن هناك تحسنا ملحوظا في انخفاض مستوي البطالة في عام2010 بلغ9,2%, في حين كانت في عام2008 نحو11%, كذلك ذكر الاستطلاع أن80% من الأسر تري أن مستوي معيشتها إما أنه تحسن أو ظل كما هو, ويبدو أن الاستطلاع والقائمين عليه اضطروا للاعتراف بأن هناك زيادة في نسبة الأسر التي رأت في عام2010 أن الأوضاع الاقتصادية سيئة بنسبة50% مقارنة ب37% في العام السابق. هذا في حين أن تقرير الأممالمتحدة للتنمية يتحدث عن أن90% من مشكلة البطالة في المجتمع تتركز بين الشباب في عمر15 29 سنة, وأن هناك ما يمكن تسميته بوراثة الفقر في المجتمع, إذ أن أفقر فئات المجتمع هي التي تعاني الحرمان من التعليم. كذلك يلفت النظر مثلا أن استطلاع الحزب الوطني يشير إلي ارتفاع نسبة المواطنين الذين يستعدون للمشاركة في انتخابات مجلس الشعب المقبلة إلي55%, هذا في حين أن اجمالي أعداد من شاركوا في انتخابات مجلس الشوري فعلا لم يصل إلي8 ملايين مواطن بنسبة لاتكاد تبلغ30% من اجمالي أعداد الناخبين في سن الاقتراع, فكيف نصدق الاستطلاع؟ وقال الاستطلاع أيضا إن56% من المواطنين في مصر يشعرون بتفاؤل تجاه المستقبل في حين أن14% فقط هم الذين يشعرون بتشاؤم! 2 اللافت للنظر طبعا أن هناك اختلافا واضحا بين الرؤيتين. ويمكن فهم ذلك بسهولة.. فالذي لاشك فيه أن الحزب الوطني عندما يختار عينة من الشباب لإجراء استفتاء, فأغلب الظن أنه يختارها من بين أنصاره, ولهذا تأتي النتائج بهذه الطريقة المثيرة للشكوك, فهي علي الأقل تقول لقيادات الحزب ما يريدون أن يسمعوه وتتبع أسلوب: تمام يا افندم. أما فيما يتعلق بتقارير الأممالمتحدة فهذه تعتمد علي مصادر موثوقة مثل صندوق النقد, والبنك الدوليين, والجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء في مصر, وهذه كلها مصادر دقيقة تماما للمعلومات, وبديهي أيضا أن هذه الجهات لايعنيها في شيء رضاء الحكومة عن عملها من عدمه. فإذا كان الأمر كذلك, فإن أكثر ما يخيف في استطلاع الحزب الوطني أنه يمكن أن تنبني عليه سياسات غير واقعية. فلنتذكر أن النقاط التي جري التركيز عليها في الاستطلاع عند عرضه في أجهزة الاعلام استبعدت الحديث عن الفساد, واستبعدت موضوع الاستيلاء علي أراضي الدولة كوسيلة من طرق الثراء واستغلال النفوذ, واستبعدت قضايا حريات التعبير والرأي وحقوق الإنسان, وكلها مسائل جوهرية جدا, ناهيك عن مسألة كيفية تعامل الشرطة مع المواطنين( مالها وما عليها). هكذا يظهر لنا بوضوح أن الهدف الرئيسي من استطلاع الرأي الذي أجراه الحزب الوطني هو تبييض صفحة ووجه الحكومة. 3 لسوف نضرب مثلا واحدا علي أهمية التفكير بعقلية بديلة انتقادية تكون مفتاحا للتغيير للأحسن. فوفقا لأرقام المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة, فإن إجمالي عدد المصريين الذين يعملون خارج مصر يبلغ نحو2,7 مليون نسمة, وأن هؤلاء يحققون دخولا تكفي لأن يحولوا لأسرهم وذويهم في البلاد نحو8 مليارات دولار كل سنة, وهؤلاء جميعا يعملون في بلدان شديدة التفاوت من حيث مستويات التقدم والتطور الاقتصادي. تصور مثلا لو أن لدينا هنا في مصر قوة عمل قوامها27 مليون مواطن وتستطيع في ظل ظروف معقولة أن توفر أو تدخر من نفقاتها ما يعادل40 مليار دولار كل سنة( علي أساس أن2,7 مليون مواطن يحققون في الخارج الأعلي تقدما8 مليارات دولار, أي أنهم يحققون في الداخل نصف ما يتحقق في الخارج) تصور لو أن هذا تحقق, وأعيد استخدام هذه الأموال في الاستثمار الاقتصادي الصناعي والزراعي وليس في المضاربة علي أسعار العقارات أو تخزينها في شكل أراض مسقعة, تصور ماذا يمكن أن يحدث في مصر؟ السؤال الواجب هو: كيف نوفر الظروف التي تحقق هذه الغاية الاقتصادية؟ تلك هي المهمة الحقيقية للحكومة. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن