قرأت رسالة امرأة من الجحيم التي شكا لك فيها كاتبها من سوء معاملة زوجته له, حيث انها لاتأبه به ولا تلقي له بالا, لدرجة أنه وصفها بأنها الجحيم بعينه وانه لا يدري سر التغير, وصب لعناته عليها. وقد يكون له العذر في ذلك, ولقد دفعتني هذه الرسالة إلي الكتابة إليك عن زوجي الذي يمارس معي ألوانا مختلفة من القهر والعذاب. وأروي لك قصتي منذ البداية عندما كنت طالبة بالجامعة, حيث نشأت في أسرة بسيطة لها عاداتها وتقاليدها المحافظة, ولذلك لم أبح بحبي للشاب الذي ارتاح إليه قلبي في تلك السن, ولم أشعره بذلك, وظللت أراقبه من بعيد, وسيطر علي حبه.. لكنه ظل حبا مكتوما في القلب حتي تخرجنا ومضي كل منا إلي سبيله.. ومرت سنوات تقدم لي خلالها الكثيرون ولكن لم يجذبني أحد, فرفضتهم واحدا بعد الآخر, فاتهمني من حولي بأنني لايعجبني العجب.. وأخيرا استسلمت للواقع ووافقت علي أحدهم, وخلال أسابيع معدودة تزوجته وانتقلت إلي عالم جديد كله صدمات.. صدمة وراء الأخري.. ووجدتني أمام رجل أناني, يجعل كل شيء جميل أقبح من القبح!. هل تتصور أنني تأثرت به, وتبدلت من إنسانة جميلة, تحب الآخرين إلي انسانة أخري شريرة.. فالكل كانوا يعرفون عني أنني أتفاني في خدمة من حولي, وقد أغدقت عليه حبي ومشاعري.. لكنه حولني إلي شخصية أخري, ولم يناديني يوما باسمي, وصرت زوجة بلا اسم للانجاب فقط.. ولما أحس بضيقي من هذا التصرف أمعن في ذلك. وإذا عرف أنني أحب شيئا ما فعل عكسه.. ولا ينسي أن يذكرني من حين لآخر بأنه أنقذني من العنوسة متجاهلا العدد الكبير من الخاطبين الذين رفضتهم وهو يعرفهم بالاسم. وهكذا أصبحت آلة في يديه يحركها كيفما شاء.. ووسط هذا الجحيم لم يهون علي عذابي سوي ذكري حبيبي الذي طوت الأيام صفحته!.. فكلما تذكرته أشعر أنني مازلت أحمل قلبا عامرا بالحب.. وكثيرا ما حلمت بأنه عاد إلي بل ودعوت الله بذلك, وبالفعل حصلت علي رقم هاتفه, واتصلت به فقط لأسمع صوته, وتحديت حيائي وحكيت له ما يحدث معي لكنه كان شهما كعهدي به فقدم لي نصائحه.. ولم تخرج مكالماتنا عن حدود الأدب, وظل في منتهي التحفظ معي.. ولقد أعادت عباراته وكلماته نظرتي المتفائلة, وأصبحت أكثر حيوية وإشراقا, وزادت قدرتي علي الصبر والتحمل والعطاء والتقرب إلي الله! واكتشفت أنه لايرد ولايبعث إلي برسائله عبر المحمول إلا إذا بعثت إليه أولا, وكان واضحا أنه يفعل ذلك بدافع الاشفاق ولايدري أنه أعاد إلي الأمل والحياة!! وإزاء موقفه عدت من حيث بدأت أكثر انكسارا.. وانزوت مشاعري من جديد.. وعادت إلي قلبي حسرته ومرارته وانهزامه.. انني أعيش فترة اضطراب عصيبة, ولا أدري أين سترسو سفينتي؟ * دائما يلقي كل طرف سواء رجلا أو امرأة باللائمة علي الطرف الآخر, ويخلق الأسباب والذرائع التي يحاول بها أن ينفي تهمة التقصير أو الخيانة عن نفسه.. وأنت ياسيدتي فعلت ذلك فأسهبت في الحديث عن نفسك وعن التزامك الديني والأخلاقي بعبارات مطولة حذفتها لعدم أهميتها في سياق الحديث عن مشكلتك.. والمعني الذي قصيدته من ذلك هو ايضاح أنك إنسانة محبوبة ومسالمة.. الخ.. ولأن قلبك تعلق بشاب من طرف واحد, فإنك رفضت الكثيرين ممن تقدموا لك.. وعندما خفت أن يفوتك قطار الزواج ارتبطت علي الفور بمن جاء طالبا يديك دون إمعان فيما إذا كنت ترتاحين إليه أم لا, فتوالت عليك الصدمات, فاكتشفت أن فتاك الذي غاب عنك مازال فارس أحلامك.. وتوقفت عند كل هفوة من زوجك, وحاولت ايجاد المبرر الذي يدفعك إلي إعادة التفكير في فتاك.. فهل هذه هي الاخلاق العالية والتقرب إلي الله الذي تدعين أنك تراعينه في كل تصرفاتك؟ وهل يعقل أن تكون سيدة علي ذمة رجل وقلبها مع رجل آخر وتري أن الله استجاب لدعائها وحلمها بأن تعود المياه إلي مجاريها مع رجل آخر باعدت الأيام بينهما وهي علي ذمة رجل آخر؟ والمدهش أن فتاك السابق يرفض هذه العلاقة التي تلحين عليها, وهو علي هذا النحو رجل ملتزم لا يخوض في علاقات محرمة يرفضها الدين ويأباها العاقل الذي يتحاشي الانزلاق الي حافة الهاوية. ياسيدتي إن المرأة الحقيقية هي التي تستطيع أن تزرع الجمال في قلب الرجل, وأن تنفذ إليه من باب الحب وحسن العشرة. جربي وسوف تجدين النتيجة الطيبة التي تشعرك بأنوثتك وبأنه رجل لم يرتبط بك من باب الشفقة لعامل السن كما تقولين, وإنما تزوجك لأنه رأي فيك الشريكة المناسبة التي يطمئن إليها وان تكوني أما لأبنائه ويكمل معك مسيرة الحياة, فهذه هي الحقيقة التي تتعامين عن النظر إليها والإيمان بها وانصرفت للحياة في الخيال مع انسان آخر له بيت وزوجة وأولاد!! كفاك حمقا أيتها الزوجة العاقلة والتفتي إلي أبنائك واعلمي أنه يخفق في الزواج كل من يعجز عن التضحية أو يتردد في تقديمها. وعلي الجانب الآخر فإنني أنصح زوجك بأن يغير معاملته لك.. وأن يعطيك مساحة من الود فكل رجل خالص القلب والعزيمة يحترم زوجته ويترفق بها ويحنو عليها وليكن هو هذا الرجل إذا كان حريصا علي استقرار بيته وأسرته. وأسأل الله لكما الهداية والبعد عن المعاصي, فمن آمن واتقي وراعي المولي عز وجل في كافة أقواله وأفعاله يكون محصنا من الخوف والحزن, وبالتالي لا يقع فيما يغضب الله, ويعيش هاديء النفس مطمئن البال, فاسعدي بأولادك وزوجك فهم مرفأ الأمان لك, ولا أحد غيرهم.