لحكمة لا يعلمها إلا المولي عز وجل خلق الله البشر جميعا وربما كل المخلوقات من حولنا مختلفين شكلا وموضوعا, وهذه حقيقة لابد أن نضعها في عين الاعتبار في كل تصرفاتنا الحياتية حتي نريح ونستريح.. وإذا كان الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية فإن الاختلاف في الشكل والعادات والتقاليد والسلوكيات يجب ألا نجعله سببا فيما نعانيه من أزمات في مختلف جوانب حياتنا الأسرية بشكل عام, وبيننا وبين شركاء الحياة بشكل خاص.. وهناك خطأ فادح نقع فيه دائما ونحن علي أعتاب حياة أسرية جديدة هو أن كل طرف يضع في خياله إطارا محدودا وأحيانا ضيقا جدا لمن يختاره ليكون شريكه في رحلة الحياة, وذلك بما يتناسب مع مزاجه الخاص.. وعندما يصادفنا من يقع عليه الاختيار يبدأ كل طرف قدر استطاعته في وضع الطرف الآخر داخل هذا الاطار الضيق المحدود وننسي أو نتناسي أن الطرف الآخر أيضا يفعل نفس الشيء.. وهنا تبدأ لعبة القط والفأر بين طرفين من المفروض أنهما يخططان لبناء حياة مشتركة قوامها التفاهم والحب والاحترام وتتحول الحياة بين الطرفين إلي صراع دائم من أجل تقويم الطرف الآخر وربما تطويعه لينال شرف القبول والرضا!! حرب باردة تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة المادية والمعنوية, وفي النهاية ليس فيها منتصر ولا مهزوم ولكن غالبا ما يخرج منها الكل خاسرون. ويقول عالم الادارة الشهير بيتر دراكر إن نجاح الحياة بين طرفين تعتمد علي ثلاثة عناصر أساسية أولها أن يقر ويعترف كل طرف بحقيقة الاختلاف مع الطرف الآخر, أما العنصر الثاني فهو أن يبذل الطرفان قصاري جهدهما في تقليل مساحة الاختلاف بينهما إلي القدر الذي يحتمله ويحترمه كل طرف في الآخر.. أما العنصر الثالث وهو أهمها علي الاطلاق فهو نجاح كل طرف في ادارة مساحة الاختلاف مع الطرف الآخر بقدر كبير من الايجابية والمرونة التي تحول سلبيات الاختلاف إلي ايجابيات تضاف إلي رصيدهما وقدرتهما للتغلب علي مشكلات الحياة. ويبدو أن بطلة قصة المعتقل قد وقعت في هذا الخطأ فكان هذا الثمن الفادح الذي تدفعه الآن وإن كنت أشعر بالتعاطف الشديد معها بسبب ما عانته في حياتها من أهل تنقصهم الثقافة الأسرية وخبرة الحياة السوية, مع أب شديد القسوة وأم متسلطة سامحهما الله مما دفعها إلي الهروب من بيت العائلة هربا من هذا المعتقل وليس حبا واقتناعا ببناء حياة أسرية جديدة مع انسان تأنس إليه ويكون لها الأب والأم والحبيب والصديق علي حد قولها.. وفي النهاية.. حياتنا يا سيدتي أقدار كتبت علينا فلا تيأسي ولا تقنطي من رحمة الله.. وفوضي أمرك إلي علام الغيوب الذي لايغفل ولا ينام.. وسامحي أبويك واطلبي لهما الهداية والمغفرة واسعدي بما أنعم الله عليك من أبناء هم قرة عينيك واحتسبي كل معاناتك وعذاباتك عند الله الحكم العدل.. عودي ياسيدتي إلي نقطةا لبداية مع زوجك في جلسة صفاء, فربما يفيق من غفوته وتشرق الشمس من جديد وتستطيعان اعادة تقويم وإدارة مساحة الاختلاف بينكما بشكل إيجابي, وتصلان إلي اتفاق علي إعادة ترتيب الأوراق والأولويات. دكتور هاني عبدالخالق أستاذ إدارة الأعمال [email protected]