وافق الحاضرون جميعا علي اقتراح الدكتور علي السلمي بتخصيص مؤتمرهم المقبل لبحث الفرص المتاحة لمصر في عالم اليوم للنهوض اقتصاديا, ومن ثم اجتماعيا وسياسيا واتفق الحاضرون بالاجماع ايضا علي أنه لاتزال هناك فرص واعدة وكبيرة متبقية امام مصر, كان ذلك في اجتماع مجلس أمناء جماعة الإدارة العليا منذ بضعة أيام. وبما أن الفرص التي أفاض المشاركون في شرح إمكانات استغلالها, وتفصيل مزاياهاعديدة, وتتطرق إلي مختلف ميادين الاقتصاد والأعمال فقد أخذوا باقتراح د. عمرو موسي المدير التنفيذي للجماعة بوضع جدول للأولويات, وكانت الأولوية المطلقة لفرص النهضة الصناعية, أما الحيثيات فكانت وبلاخلاف هي أن الصناعة تبقي اساس التقدم والرخاء, بمعني ان الرخاء يمكن ان يتحقق بلاصناعة, ولكن الصناعة هي التي تضمن اقتران الرخاء بالتقدم, والتقدم هنا يعني القوة الشاملة للدولة في السياسة والاقتصاد والأمن القومي والتعليم والبحث العلمي والاستقرار الاجتماعي, كما يعني حداثة النظم السياسية والقيم الثقافية وعلاقات العمل والإنتاج, وفضلا عن ذلك فالصناعة حاجة ملحة لبلد كمصر, محدود الموارد, ومتزايد السكان بمعدلات مخيفة. نقطة البدء في البحث عن فرصة مصر في عالم اليوم للنهضة الصناعية هي التركيز علي الميزة النسبية في اقتصاد دولي تنافسي علي أن يكون العالم في حاجة حاليا ومستقبلا للإفادة من هذه الميزة النسبية, وبعبارة أكثر وضوحا وعلمية من الناحية الاقتصادية فلكي تكون الفرصة حقيقية, ينبغي أن يتوافر لها شرط العرض الذي هو الميزة النسبية لمصر. والطلب الذي هو حاجة العالم للإفادة منها. سوف نبدأ بجانب الطلب العالمي علي ميزة مصر النسبية التي يمكن ان تشكل فرصة كبيرة وواعدة كما قلنا للنهضة الصناعية, ولاجدال في أن أكثر مايحتاجه العالم حاليا وبمعدلات أكبر في المستقبل هو الطاقة النظيفة المتجددة في وقت لاتزال فيه هذه التكنولوجيا. في بداياتها, ولم تزدحم بعد بالمنتجين, مما يعني ان الفرصة لن تبقي متاحة الي الأبد,واذا كان من المسلم به ان امكانات الطاقة المتجددة من الرياح ومساقط المياه هي أيضا محدودة, وقد استنفدت بالكامل تقريبا, فإن الطاقة الشمسية تبقي هي المصدر الأكثر سخاء ودواما, علما بأن الحاجة إلي هذه الطاقة لم تنشأ فقط لأسباب بيئية اختيارية, ولكنها نشأت لأسباب اقتصادية قهرية تتلخص في قرب نضوب مصادر الطاقة التقليدية أي البترول والغاز والفحم, بل وأيضا اليورانيوم الذي ينتج الطاقة النووية. ولبيان مدي إتساع الفرصة المتاحة أمام مصر من زاوية توافر الطلب العالمي علي الطاقة الشمسية, يكفي ان نذكر ان الاتحادالأوروبي رفض مبلغ400 مليار يورو للاستثمار في مشروعات هذا النوع من الطاقة بجنوب المتوسط علي مدي السنوات الأربعين المقبلة, وذلك غير ما سيستجد من استثمارات أوروبية وغير أوروبية, حكومية, وخاصة كما تتجسد في تحالف( ديزرتيك) أي مشروع تكنولوجيا الصحراء للاستثمار في البحث والتدريب والتوليد والتسويق وجني الأرباح من مشروعات كهرباء الشمس في صحاري شمال إفريقيا من مصر الي المغرب ولابد ان نعترف ان مصر عن طريق وزارة الكهرباء والطاقة قد خطت عدة خطوات للدخول في هذا الميدان الفسيح, ولكنها خطوات صغيرة للغاية, واذا ظل معدل السير علي هذا البطء فقد تفوت الفرصة, وهاهي البداية الكبيرة قد انطلقت من الصحراء الجزائرية, ولاضير في ذلك, لأن الفرصة تتسع لجميع دول الشمال الإفريقي, بل وتمتد إلي شرق المتوسط. أما ميزة مصر النسبية المشتركة مع بقية جيرانها, فهي الموقع المناخي الضامن لسطوع الشمس طوال العام, والموقع الجغرافي القريب من أوروبا حيث السوق الرئيسية, والضامن بالتالي لعدم تبدد التيار بالنقل عبر مسافات طويلة, مثلما سوف يحدث لو أن أوروبا كانت سوف تستورد كهرباء الشمس من صحاري آسيا وأمريكا اللاتينية البعيدة, ثم إن لمصر ميزة نسبية علي جيرانها ايضا, وهي ان خبراتها الصناعية والإدارية أكبر وأقدم, بحيث انها يمكن أن تكون الرائدة والقائدة لتجمع الدول المصدرة للشمس, علي غرار موقع السعودية بين دول الأوبك المصدرة للبترول. إن توطين تكنولوجيا الطاقة الشمسية علي النحو الذي نتمناه يمكن ان يكون هو الطفرة التكنولوجية المنتظرة مثلما أصبحت طفرة تكنولوجيا الالكترونيات بوادي بنجالور بالنسبة للهند, إذ سيؤدي ذلك التوطين إلي إبجاد طلب محلي واسع علي صناعات عديدة مغذية, وعلي عقول وأيد عاملة كثيفة من علماء و مهندسين وخبراء واقتصاديين وإداريين ومحاسبين ومحامين إلخ, فضلا عما سوف يدره من عائدات التصدير, وعما سوف ينتج عنه من حركة عمرانية وتوسع زراعي باستخدام الماء العذب الفائض من تلك المحطات. ولأن الطاقة الشمسية لن تحقق بوعودها الكاملة للعالم قبل عدة عقود من الزمان ولأن بعض مشكلاتها تحتاج وقتا لكي تحل نهائيا وبطريقة جذابة اقتصاديا خاصة تلك المشكلات المترتبة علي غياب الشمس ليلا, فإن مصر والعالم معها سوف يظلان بحاجة الي بقية مصادر الطاقة طيلة هذه الفترة, لذا لاينبغي النظر الي الطاقة الشمسية علي انها منافس أو بديل للبرنامج النووي المصري الذي نؤيده بقوةلأسباب اقتصادية وسياسية وعلمية, ولكننا نطالب بتكامل البرامج من ناحية, وبتركيز النظر علي المستقبل البعيد بالقدر نفسه أو أكبر الذي نركز به النظر علي الحاضر وعلي المستقبل القريب, كي لاتفوت مصر هذه الفرصة مثلما فاتتها فرص كثيرة في الماضي. اعتقادي اننا نحتاج إلي قرار سياسي أولا, ولذا أقترح علي الحزب الحاكم وأمانة سياساته علي وجه الخصوص البدء فورا في دراسة المشروع, ووضعه في أولويات برنامجه الانتخابي وأضيف اقتراحا تنظيميا محددا هو استحداث وزارة كاملة الاختصاصات للطاقة الشمسية علي غرار وزارة السد العالي, عندما كان المشروع قيد التخطيط والتنفيذ بحيث تمكن الوزارة المستحدثة من سرعة الأداء ومرونة القرار, ووفرة التمويل وقهر البيروقراطية, وقبل كل ذلك وبعده إيجاد الاهتمام لدي النخبة و الرأي العام. المزيد من مقالات عبدالعظيم حماد