غضب مني هرم الفن وأخلد أشجار بستان الغناء موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب, عندما صارحته أن أغنية بفكر في اللي ناسيني تنطوي علي ساديه ورغبة في تعذيب النفس واستجلاب ألم الهوان. وقال لي الموسيقار بصوته الرخيم: إن الحب ليس قارورة ماء نقية وشفافة بل فيه, أقصد الحب, بعض العكارة فلما قلت له هل تهرب من اللي شاريك تتدور عللي بايعك؟ رد بمقطع من الأغنية يحمل قدرية الحظ: مظلوم لكن المقسوم مقسوم مكتوب لي أحب اللي ضناني لاجفاه نساني هواه, ولا تاه حبي من فكر اللي هواني بفكر في اللي ناسيني. قلت لموسيقارنا: أنت القائل: علشان الشوك اللي في الورد, بحب الورد رد بثبات الحب بلا أشواك, صداقة فاترة, وجدت نفسي أقول له هل الهوان في الحب... معزة؟ لكن محمد عبد الوهاب حسم القضية حين قال لي: الهوان من صفات الحب! ولم استمر في المناقشة لكن ظلت الفكرة تراودني حين أسمع بعض أغاني هذا الزمن عامل قلبي لعبة معاه, يوعد ويخلف.. وأستناه. واحتميت من هذا الهوان بالحس الشعبي حين يقول قال يا نحلة... لا تقرصيني ولا عايز عسل منك وفي سنين بعيدة, كنت أسمع النسوة يقلن من حبنا حبناه وصار متاعنا متاعه, ومن كرهنا كرهناه, وحرم علينا إجتماعه ولست أتصور أن الأغنية الغربية غارقة في الهوان, فالآلة هناك رخيصة والإنسان ثمين. والحب بمعناه الصحي هو علاقة إنسانية قائمة علي حب متبادل واحترام متبادل ووفاء متبادل الحب علاقة ثنائية, وليست ثلاثية الأبعاد الحب المضيء ينير دربك, ويبني ولا يهدم الحب الصحي يشعل طاقات حماس الإنسان لحب الحياة, والحب الذائب في الاسي والهوان, حب مريض يستعذب الالم, ولست انفي ومضات الألم والشك عن الحب, بل أعلم أن الشكوك من طبيعة العشاق, ولكني أرفض المعني القائل الشك يحيي الغرام فأنا أعتقد أن الشك حين ينشب أظافره في الحب, فهناك خلل ما في العلاقة, أوافق علي أن كل ما تمعن التفكير فيه ينمو, ويتسع في حياتك, وكل ما تركز عليه, وتفكر فيه كثيرا يتزايد في عالمك... والفشل العاطفي يجلب الإحباط الذي يؤثر سلبا في الطاقة والعمل والعلاقة بالآخرين, الفشل يعني الوقوع في براثن السادية والغرق في بحر الهوان, وربما كان هاجسي الداخلي لكتابة هذه السطور هو رفض الهوان في أي علاقة تربطنا بأمرأة. وارفض ايضا شعور أمراة بالهوان في علاقتها بالرجل, فهذا عنف بصورة ما. صحيح أن العذابات الصغيرة هي راسمال علاقاتنا مع المحبوب, ولكن البناء علي الهوان هو ضعف ممقوت وممجوج, وأي هوان هو عملية سحق لإنسانية الفرد وكرامته حتي مع السلطة إن الهوان الذي عاشته شعوب جربت حكاما من عينة هتلر وموسليني وصدام حسين لم تكن قادره علي الحب الصحي, حيث كان الخوف يحكم الدوره العصبية لإنسان هذه الشعوب, ويقتل خلايا الأمل داخله, إن طاعون العصر الحقيقي هو تلاشي شخصية الفرد, وقهره وارتيابه في كل ما حوله حتي علاقته بمن يحب, يقولون ساخرين أن القبلة بين رجل وامرأة أيام موسليني, كان يقف علي باب الشفاه أمن موسليني! الحب ليس حركة ساكنه راكدة: فالحب الذي لا يزرع في رأسي ألف سؤال ليس حبا, والحب الذي ينام علي مخدة الطمأنينة الكاذبة ليس حبا, والحب الذي يهوي لعبة الاستغماية ليس حبا بل لعب عيال والحب الخالي من العتاب والحساب هو حسب كسيح فاقد النطق, والحب الذي لا يحمل المحبوب هموم من يحب, حب طياري هش يرسو كثيرا علي الموانيء يرتبط كالقطط بالمكان أكثر من الإنسان. فأنا لا أروح أدور علي ما حق كان لي فيه حب زمان ولا أشرب لوحدي كأس فاضي, دايما بفكر فيه مليان ولا أدور لي علي جرحي وصاحب الجرح مش فاكر!! أنا بفكر في اللي فاكرني... فقط أما أن أتضور جوعا وشوقا لحب ناسيني, فهذا كلام أغاني وتجليات شعراء, وحالات حرمان وظما, أن كلود ليلوش المخرج الفرنسي أهتم بالعلاقة بين الرجل والمرأة في أدق خصائصها, وقال أن التكافؤ.. قاعدة مهمة وأرضية صالحة لنشوء علاقة حب, وقال إن المرأة تحب الرجل الذي ينفق عليها ويضع الطعام في فمها, ويلاحظ بسرعة تغيير لون أظافرها, ويدخل علي قلبها السرور بورق بنك نوت جديد لم تمسسه أصابع, وقال علي لسان بطلته اينوك أيميه: لم أستطع التعامل حسيا لأني مرتبطة بجاذبية علاقتي بزوجي, ولم أخرج بعد من مرارة الحسي, ولا أقبل شعورك بالهوان... لرفضي الاقتراب منك. نعم. الحب أقرب إلي الساونا الساخن والبارد في آن واحد, فقط يحزنني الهوان الذي يبدو كسكين مغروس في الحلق, في وقت من الأوقات في لندن كان الهيبز يغنون اذبحني, أريدك. اذبحني ألهث خلفك اجعلني, أصرخ, أهذي, العق جروحي... إنها عاطفة مغسولة بالذل, الحزن فيها غير أصيل, وكذلك الفرح, وحين تكون المرأة واحدة من قارات اللذة بالنسبة لرجل, وقلبها كالتاكسي الذي يلتقط الزبائن من أول إشارة يهرب منها إلي أصدقائه, أنه يريد حقول ياسمين يمرح فيها, لا أشجار صبار يعانقها.. بأسم الحب, ولا يريد في الوقت نفسه حبا بربطة عنق! الحب الضحي فيه بحبه, وتمنح خلاياه الامومة وتحميه من سرطان الأنانية, يجب همس النجوي والشفاه الظمآنة ولا يشجيه أنينها إنها علاقة التصالح مع الذات, وبالتالي التصالح مع العالم. قالت مرة أوبرا وينفري: لو هفا قلبي لمعاق لا يسمح ولا يتكلم, يكفيني بمصر عينيه! ذلك قمة المشاعر الصافية, لا فحيح الاميلات الملونة بالجنس المحموم, وذلك هو الفرق بيننا, وبين العالم الأول هناك, مواقع المعرفة هي الأكثر زيارة, وعندنا مواقع الجنس هي الأكثر زيارة, ولذلك فاليد في العالم الأول تصنع الحضارة, وفي بلادنا تتشاجر أصابعها مع بعضها. تقول الحكمة العربية بعض الظن أثم وفي ثقافة العشق يشكل الظن والشك فصلا من كتاب الحب أيظن أني لعبة في يده للشاعر نزار قباني, وقال كامل الشناوي.... وأنا صنعتك من هوايا ومن ظنوني ويقول أيضا اشتر الحب بالعذاب أنا أفكر فيمن يفكر في, وأنسي من ينساني لأني ببساطة أنتصر لقيمة المشاعر الصحيحة لا المعقدة التي ترضع من ثدي الهوان. المزيد من مقالات مفيد فوزى