1 انتهيت من دورتي اليومية وعدت إلي المدينة, قبل ذهابي إلي المكتب اتجهت إلي المستشفي ورأيت رجلا آخر ينام علي السرير الذي كان سليمان يشغله, والممرضة أقبلت ناحيتي من آخر الطرقة وهي تفتح فمها بابتسامة واسعة. ورغم أسنانها الكبيرة البيضاء كانت تبدو واضحة مع لثتها الوردية إلا أنها كانت جميلة بوجهها الخمري, وعينيها الكبيرتين وقد ضيقهما الابتسام. مدت يدها صافحتني وقالت: أهله أخذوه؟ أتكلم ؟ ولا كلمة: هو ماله؟ قلت: أبدا. وسحبت الدراجة وابتعدت. 2 كلما مضي الوقت بدا ما جري مثل مفاجأة غير مفهومة, الذئب قطع عليه طريق الغيطان أثناء قيامه بالعمل.. هو لم يعرف أنه الذئب ولكن الحمار عرف وقفز به في المصرف. عمال الطرق أنقذوه وهو خرج من الماء زائغ العينين عاجزا عن النطق. كلما رددنا ذلك لأنفسنا أو لمن يسألنا يتبين لنا أنها حكاية هزلية ولا يقدر أحدنا أن يمسك نفسه من الضحك أو الابتسام. وها هو الأمر يصل الي حد حضور أهله وحمل عفشه القليل وثيابه والعودة به الي مصر. عندما دخلت من باب المكتب وحقيبة المصلحة في يدي تطلعوا الي جميعا وتوقفوا عن الكلام. كانوا يعرفون العلاقة التي جمعت بيننا, منذ اليوم الأول الذي جاء فيه لاستقبالي وهو يتعامل معي وكأن بيننا قرابة كانت توقفت ثم حان استئنافها, وعبد الغفار لف سيجارة أشعلها لي وعرفت أن الاستاذ فؤاد مدير المكتب كان اتصل بمصر طلب سرعة نقله كي يكون مع أهله وتحويله الي القومسيون الطبي. بعدما أكد تقرير مستشفي المحلة ضرورة خروجه لأنه يعاني مرضا لا يمكنهم علاجه. توقف عن الكلام ولم يعد يعرف الناس الذين كان يعرفهم. المصلحة وافقت علي نقله وأبلغوا أهله لأن أمه جاءت برفقة خاله استلموه وانصرفوا. 3 كانوا يراقبونني لكي يروا تأثير ما حدث, أنا تساءلت لأنه كان زميلا لهم قبل حضوري بكثير, ولكنهم أخبروني أن سليمان مستجد هو الآخر ولم يستلم العمل قبلي إلا بشهرين أو ثلاثة. أدهشني ذلك تماما, كنت علي ثقة من أننا سنلتقي خصوصا أنني كنت في انتظار خطاب نقلي أنا الآخر.. سوف أعرف عنوانه وأزوره ونواصل علاقتنا بالقاهرة كما كنا بالمحلة. ليس ممكنا أن ينتهي الأمر هكذا لأن سليمان سوف يهدأ مع الوقت ويتكلم ويعرف الناس الذين يراهم. ليس معقولا أن يؤذي الذئب أي إنسان بمجرد ظهوره له من دون أن يعضه أو يأكله مثلا, وخطر لي أنني لن أعرف كيف أحكي لتوفيق أو حمادة أو غيرهما حكاية الذئب مع سليمان الشاعر من دون أن يسخروا من الأمر أو علي الاقل يضحكوا منه. تناولت غذائي بالمطعم الصغير في شارع البحر وعدت إلي البيت ونمت. 4 قمت من النوم علي يد دعاء وهي تربت علي كتفي, كانت اعتادت أن تدخل الحجرة تجلس علي حافة الفراش وتوقظني. سألتني عن سليمان وأخبرتها أنه رحل وردت بأنها تعرف وأطرقت وأضافت أن نور سوف تجن من أجله, ولما قلت نور مين؟ قالت أنه إبنة أصحاب البيت الذي يسكن فيه, وأن أباها رفض زواجه منها بسبب شعره الطويل مثل النساء, وسليمان الذي لا يستطيع أن يبعد عنها أبدا رفض أن يحلقه, كما قالت أن نور زميلتها من أيام المدرسة. كانت هذه كلها أشياء مفاجأة بالنسبة لي, وانتابني الإحساس بأنني أوشك علي التورط في شئ لا أعرفه وتملكني القلق, وشعرت بأنني وحدي. 5 في الصباح, عند حافة حديقة المكتب من الخارج اقتربت مني وقالت: صباح الخير. يا أنور. قلت: أهلا وسهلا. كات فتاة سمراء ترتدي فستانا عاديا بياقة مغلقة, شعرها ملموم الي الخلف وجهها مدور, ممتلئة قليلا كأنها أم. قالت هو سليمان سافر مصر؟ قلت: آه قالت: أبقي هات العنوان. ولما تشوفه قول له نور بتسلم عليك. وتركتني وابتعدت. ولكلام بقية [email protected] المزيد من مقالات إبراهيم اصلان