أعلنت ميثاق الإقامة بالرحيل/ وتركت وقع خطاي في ظل الشجر/وتساقطت ما بين عيني والبلاد/ زمردات من حجر/ فعرفت طعم الخبز مرتجفاوقلت../ وقال لي الموت أطلت/ استألفوني بالتذكر/ وارتمي عني الرداء..( من قصيدة موت ما لوقت ما) (1935 2010),(..../.....).. أقواس, بين كل واحد منها مجموعة أرقام قد لا تعني في حد ذاتها أكثر مما يمكن أن تعنيه أي عملية حسابية, و لكنها بين تلك الاقواس تتحرر من جمودها و يتسرب من بين ثناياها عبق الحياة إذ تتحول الأرقام لدقائق و لحظات حية محملة بالرؤي والأحلام و الانكسارات المغموسة في ثواني البهجة وربما النشوة و لحظة فرح مؤجلة أو موقوتة. أقواس جرت العادة أن نرسمها مع كل ميلاد و أن نغلقها مع كل رحيل, و كأنما نسدل ستارا كثيفا بين من لا يزالوان يدبون علي الأرض وأولئك الذين تحرروا وحلقوا في فضاء سرمدي. في دراسة قدمها أستاذنا د. أحمد مرسي أحد أعمدة دراسات الفولكور في مصر والعالم العربي حول الموت والحياة في الفولكور المصري, أوضح أن المصريين استحدثوا أساليب لرأب الصدع بين الموت والحياة فحولوا الموت لشكل من استمرارية الحياة باعتباره جزءا مكملا لها. وقد تجلي هذا في الصور الرمزية والفنون القولية التي ترمز للموت بالنوم أو الغياب والتواصل بين الأحياء والموتي عبر الرؤي والأحلام وزيارة المقابر ورش الماء حول القبر وطقوس الحداد برغم الاعتراف بفناء الجسد, وهو الأمر الذي تؤكده دراسة الشاعر الكبير الراحل كرم الأبنودي عن العديد في صعيد مصر. و لأن الشاعر عفيفي مطر, الذي رحل عن عالمنا مساء الاثنين الماضي, ارتبط بتراث أرضه وبقريته وشخوصها وأساطيرها الشعبية فكانت أحدالمؤثرات التي أسهمت في تكوينه الثقافي والشعري والإنساني, وهو ما تجلي في ديوان يتحدث الطمي, ومسامرات للأولاد كي لا يناموا, فقد احتشد نصه بايحاءات الأسطورة و الحكاية الخرافية الممتزجة بطين الأرض و طمي النيل في بناء أساسه علي المغامرات البلاغية والمفردات المركبة المتعددة المستويات والدلالات. فمن خلال الرمز المستمد من الموروث الاسطوري والديني والتاريخي والمزج بين ممارسات الواقع وبين الحلم قدم عفيفي مطرعالما شعريا يعكس واقع الانسان, اكتسبت فيه ممارسات القهر ومشاعر الخوف ولحظة الموت معاني جديدة أكثر شمولية واستمرارية وتناول فيه كل الثنائيات المتناقضة التي يحفل بها العالم, بداية من النور والظلام والصراع الأزلي بين الخير والشر وانتهاء بتأملات فلسفية كاملة كانت أم منقوصة.. فخلق مطر عالما يتخطي حد القوس الثاني وتاريخ الغياب, ويتجاوز التناقض بين الموت والحياة ويحوله لنسيج واحد متصل يؤكد حضوره وإن جاء آوان الرحيل... [email protected]