كنت أعترف أظن أن هذه النبرة قد اختفت في أحاديث وتصريحات الأخوة السودانيين بعد كل ما تكشف واتضح علي مدي طول وعمق وتنوع العلاقات بين القاهرةوالخرطوم خلال السنوات الماضية سواء منذ استقلال السودان عام1956. أو.. منذ' ثورة' الانقاذ 30 يونيو1989 ولكن ها هو ظني قد خاب وعادت النبرة مرة أخري علي لسان مسئول له قيمته هو وزير الخارجية علي كرتي وهو دبلوماسي فضلا عن انه أحد رموز التيار الديني وان كان هذا لم يكن ظاهرا بحكم عمله الدبلوماسي.. والذي حدث ان السيد الوزير قال خلال ندوة أقيمت في الخرطوم الأسبوع الماضي عن' تقرير المصير.. الحق والواجب' اننا أي السودانيين يشكون ضعف معلومات مصر عن السودان.. وانها لا تتعامل معه كملف استراتيجي'. ولقد كان هذا قولا غريبا دفع وزيرالخارجية أحمد أبو الغيط الي تكليف سفير مصر في السودان للاستفسار عن حقيقة هذه التصريحات ونصوصها والقصد منها. واذ نوجه التحية لأبي الغيط علي هذه الخطوة فذلك ليس لأنه وزير الخارجية وعلينا دعمه.. وانما لأنه يتحتم ألا نجعل شيئا سواء كان كلمة عابرة أو فعلا طائشا دون تثبيته ومناقشته والرد عليه, واذا كان هذا ينطبق علي علاقاتنا مع أي دولة فإنه من باب أولي ان ينطبق علي السودان الذي نعتبره الدولة الأولي بالاهتمام فوق كونه الشقيق التوأم فضلا عن ان أبناء شعبي البلدين يعتبرون أنفسهم بصرف النظر عن النظم الدستورية والقانونية أبناء دولة وادي النيل التي تتقاسم' الحلو والمر' وتخوض نفس المصير. وقبل القول ان المعني الذي ذكره الوزير كرتي ليس جديدا فقد سبق وقاله غيره وان كان قد عاد وسحبه.. فانني أقول انه ربما لم تكن مصادفة انه منذ نحو شهر وبعد الانتخابات الرئاسية السودانية وما أعقبها من ضجة أوفدت الخرطوم الي القاهرة وفدا يضم الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية والدكتور مصطفي عثمان اسماعيل مستشار الرئيس للشئون السياسية وادريس محمد عبد القادر الوزير برئاسة الجمهورية المسئول عن ملف نيفاشا اتفاقية السلام مع الجنوب.. وكانت مهمة الوفد الذي خلال زيارته لمصر 15-17 مايو شرح نتائج الانتخابات والمرحلة التالية في السودان والتقي بمسئولين مصريين وفي الجامعة العربية كما عقد لقاء مع عدد من المثقفين المصريين المهتمين بشئون السودان وكان ذلك في قاعة أحد الفنادق الكبري المطلة علي نهر النيل بترتيب وتنظيم الأخ كمال حسن علي الذي كان وقتها رئيس مكتب حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان بالقاهرة وأصبح في التشكيل الوزاري الجديد وزير دولة في وزارة الخارجية السودانية. وخلال اللقاء تحدث الدكتور نافع علي نافع مستعرضا الأوضاع في السودان, وكان لابد ان يتحدث عن الجنوب وعن الحرص علي إجراء استفتاء حق تقرير المصير في موعده مؤكدا الاحترام لما ستسفر عنه النتائج سواء بالوحدة أو استقلال الجنوب وعدم العودة الي الحرب الأهلية وضغط علي حروف كلماته بأنه' كفانا.. نزيف الدماء.. واننا قد خضنا الحرب دون ان يساعدنا أحد, وكان العرب بلا إستثناء يتفرجون علينا دون ان يمد أحد يده إلينا هكذا كل العرب'.. ووجدتني أقاطعه: لا.. ليس كل العرب.. قال: بل كلهم.. قلت له: لأ.. ليس كل العرب.. وقد وقفنا معكم وهذا واجبنا وساعدناكم وبكل الوسائل.. وعندما قلت له هذا قضم الكلام وانتقل الي نقطة أخري.. ولست هنا في معرض ما قال وما قلناه خلال هذا اللقاء.. وان كنت استأذن في ذكر انني قلت في مداخلة بنفس اللقاء عن مشكلات السودان أننا سبق وبذلنا جهدا.. ومثلا فقد سبق ومنذ ما قبل أحداث دارفور ان نبهنا الي مشكلات مناطق' الأطراف' في الدولة أي دولة بحكم بعدها عن العاصمة.. وأهم هذه المشاكل في بلد كبير مثل السودان مليونا كيلو متر مربع مع تعدد وتنوع قبائله وأعراقه ومعتقداته هي مشكلة أو أزمة' الهوية' وطالبنا وكان ذلك في ندوات ومؤتمرات بالقاهرةوالخرطوم وبمشاركة وحضور مسئولين بينهم وزراء حاليون ومثقفين سودانيين.. بتكثيف الجهود في هذا الاتجاه.. ولكن هكذا قلنا في لقاء دكتور نافع وصحبه كان السودانيون يعترضون.. ويتهمون بأننا لا نعرف من المعلومات ما يكفي. و.. حدث ما حدث في دارفور. وعندما أثيرت الاتهامات ضد مسئولين سودانيين بادرنا بخبراء سياسيين وقانونيين لدراسة الموقف وطالبنا بتحرك قانوني علي أساس حفظ سيادة وكرامة السودان.. ولكن تكررت نفس النتيجة.. ثم عاد الذي اعترض علينا.. واعتذر! وهكذا.. وهكذا.. بل ان الدكتور نافع عندما حكم علي الاطلاق بأن أحدا لم يساعد السودان في حربه الأهلية.. لم يكن موفقا لذلك اعترضنا عليه لأننا ساعدنا سواء بدعمه سياسيا وعسكريا أو بالاتصالات مع الأخوة الجنوبيين للوصول الي حلول مرضية.. ولعل الدكتور نافع والوزير كرتي يتذكرون ان جون جارانج وقف متحدثا في الاحتفال الذي أقيم في نيروبي بمناسبة توقيع اتفاق السلام مع السيد علي عثمان محمد طه يناير2005 .. وقال انه علينا ان نشكر مصر والرئيس حسني مبارك فانه لولا جهوده وتدخله ما كنا اليوم نحتفل بالسلام! لذلك لا أعرف ما الذي كان يقصده' علي كرتي' بما قاله في ندوة المفترض انها علمية موضوعية وهل قال ما قال متأثرا بأحداث معينة في الماضي نقلها أحدهم إليه خطأ.. أم.. ماذا ومهما كانت اجابته فانني ارجو ان يعود الي الرئيس عمر البشير والي النائب علي عثمان ليعرف منهما ماذا فعلت القاهرة منذ1989 وحتي الآن وماذا فعل الاعلام المصري والأهرام في المقدمة وماذا فعل المثقفون والصحفيون المصريون سواء في مناقشة العلاقات الثنائية أو في تصحيح الصورة.. أو.. في اذابة الجليد, ويمكنه اذا شاء ان يسأل الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل الذي كان وزيرا للخارجية في ظروف دقيقة ويمكنه ان يسأل حكماء وعقلاء السودان.. مثل مولانا دفع الله الحاج يوسف ومثل البروفيسور احمد عبد الله ومثل البروفيسور علي شمو.. وغيرهم بل ويمكنه ان يدعو سفراء السودان السابقين في القاهرة للاستنارة.. ويمكنه ان يعود الي ملفات وزارته.. فان مصر يا معالي الوزير لديها' المعلومات والمعرفة عن السودان منذ آلاف السنين ما يجعلها تضع السودان في نفس مرتبتها الوطنية. ولقد تعاملت معه استراتيجيا باخلاص وشرف وارتفعت كثيرا عن الصغائر لأنها تثق في حكمة قيادات السودان وفي شعبه الشقيق العظيم.. وفي تياراته السياسية عدا قلة ندعو الله ان يهديها .. وبمعني آخر فان الاستراتيجية المصرية العليا تنظر الي وادي النيل حيث دولتا مصب النهر الخالد علي انه كيان واحد ينبغي المحافظة عليه والحرص علي سلامة كل جزء فيه لأنه إن مرض لا قدر الله تداعت له سائر الأجزاء والأعضاء.. وعلي أي حال فإن كان عندك ما لا نعرفه.. فأهلا بك.. وبمعلوماتك.. فإنه لا أحد يمكنه ادعاء العلم بكل شئ.. ونحن بداية ونهاية شركاء.. في المصلحة والمصير.. المزيد من مقالات محمود مراد