بجهد مخلص بناء وعزم لا يلين وعلي مدي أسبوعين علي الأقل, عكف زوجي العزيز علي المذاكرة والتركيز, وأمضي أياما متواصلة أمام شاشة الإنترنت, يبحث لنا في أنحاء الكرة الأرضية عن مكان مناسب, نقضي فيه رحلة العمر, ونحتفل معا ببداية2009 وعيد ميلادي الذي يوافق أول أيام العام الجديد. وحيث إن لكل مجتهد نصيب, نجح زوجي أخيرا رغم زحام تلك الأيام المفترجة في أن يجد لنا حجزا في فندق( أولاي) أحد منتجعات عاصمة المافيا الإيطالية! وبما أنه الأب الروحي للفكرة, والراعي الرسمي لحفل عيد الميلاد, والمرشد العام للجماعة( والجماعة هي الاسم الكودي للزوجة عندنا في البلد) أراد زوجي أن يكمل جميله معي, فتكفل وحده بتنظيم برنامج الزيارات السياحية في روما, وما كنا لننجز تلك الرحلة الشجاعة لولا أننا من المؤمنين بمبدأ( اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) وسنة حلوة يا جميل( يجعلها بيضة ع الكريم, سودة ع اللئيم, بمبي ع اللي ما يفسح الحريم)! ومع ذلك وجدته ذات ليلة ليلاء يبلغني, أننا سنقضي المساء والسهرة في مكان جديد رائع..( سيور برايز) سنذهب لنتمشي ونقزقز اللب في محطة سكة حديد روما...!!! هيييييييييييه( وبالإيطالي) ما ماياا ما ماميا..) طبعا كان المكان( اكتشاف): تجولنا وتفرجنا علي القطارات وقضبان السكة الحديد, ورصيف المسافرين, ومحلات ومطاعم فاخرة علي الجانبين, لكن أجمل ما رأيت حقا هناك, شجرة عيد ميلاد عملاقة مبهرة لا يقل طولها بحال من الأحوال عن30 مترا, والغريب أنها كانت مزينة بالجوابات, التي كتبها الناس للسنة الجديدة(!). جوابات لا حصر لها مطبوعة وبخط اليد, وأمنيات آلاف الحالمين والمسافرين والعشاق والأطفال والمغامرين, يكتبون بالإيطالية والإنجليزية والفرنسية وحتي اللغة الفارسية والصينية وجدنا لها مكانا علي الشجرة, غير أني أمضيت وقتا طويلا أبحث عن رسالة واحدة باللغة العربية, دون جدوي.. أخيرا وجدتها, رسالة بخط مرهق علي ورقة بيضاء يائسة, تتكلم بلهجة مصرية صميمة عن الغربة والعذاب والأيام الهباب, وتخاف من تجدد المعاناة واستمرار الوحدة والبرد في الأيام القادمات, علي طريقة( هات يا زمن وتلتل..) لم تعجبني هذه النبرة التشاؤمية الموغلة في السواد, الناس تقول علينا إييه؟ ها تفضحونا في أوروبا ومحطات السكة الحديد.. بحثت في حقيبة يدي عن قلم وورقة, وفتش زوجي جيوبه كلها فلم نجد ما نكتب عليه رسالة جديدة بالعربي تشع بالسعادة وتنضج بالأمل والتفاؤل الشديد, رغم ذلك عز علي أن أذهب وأترك الشجرة دون أدني تعليق أو أثر, فأخرجت من محفظتي كارتا ملونا كان معي بالصدفة ومكتوبا عليه بالعربي:( توينكي للحلويات شارع الهرم يتمني لكم عاما سعيدا) وبمشبك غسيل, وجدته أيضا بالصدفة, رشقت الكارت علي مكان ظاهر من الشجرة, وتمنيت عاما سعيدا للعالم وهيئة قطارات السكة الحديد.(!!!)