يثار في الآونة الحالية التساؤل حول مستقبل المال الاحتياطي لصناديق التأمينات في ظل المشروع الجديد لنظام التأمينات الاجتماعية والمعاشات وهو تساؤل مشروع ومهم خاصة في ظل التصريحات الأخيرة التي أدلت بها الوزيرة السابقة ميرفت التلاوي عن أموال التأمينات واستخدامها في تمويل عجز الموازنة, وهو ما ردده الكثيرون باعتباره حقيقة واقعة, خاصة ان هذه التصريحات تأتي من مسئولة سابقة عن الملف نفسه, وبالتالي فهي أقرب للتصديق بحكم الموقع والمكانة, وهنا يصبح التساؤل عن مدي صحة هذه الأقاويل؟ جدير بالذكر ان المال الاحتياطي للصندوقين قد بلغ نحو359.4 مليار جنيه في نهاية يونيو2009 منه215.4 مليار للصندوق الحكومي و144 مليارا لصندوق القطاعين العام والخاص. وقد بلغت الاستثمارات المالية نحو296.4 مليار منها201.5 مليار طرف الخزانة العامة تمثل قيمة الصك الذي صدر لصالح الصندوقين بفائدة8% سنويا لمدة خمس سنوات تجدد تلقائيا, و56.9 مليار لدي بنك الاستثمار القومي و18.7 مليار سندات حكومية والباقي ودائع لدي البنوك ووثائق صناديق الاستثمار. وبالتالي فإن ماتقترضه الخزانة العامة من الصندوقين يظهر ضمن مكونات الدين العام في كل الاحصاءات المنشورة سواء من وزارة المالية أو من البنك المركزي وبنك الاستثمار القومي, ولم تظهر في أي موازنة من الموازنات أو حساب ختامي ضمن الموارد أو الإيرادات. إذ إنها أموال خاصة لايمكن التلاعب فيها بأي شكل من الاشكال, وهذه مسألة مرتبطة بالدستور المصري والذي كان, ومازال حريصا بشدة علي نظام التأمينات الاجتماعية وأمواله فنص في مادته السابعة عشرة علي ان تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا كما ان قانون التأمينات الاجتماعية قد نص في مادته الثامنة علي أن الخزانة العامة ملتزمة بأداء آي عجز في أموال الصناديق وهذه النصوص وغيرها تهدف بالاساس الي الحفاظ علي أموال التأمينات الاجتماعية وتنميتها بما يضمن حقوق المؤمن عليهم وتحول دون التلاعب فيها بأي حال من الأحوال. ونتيجة لهذا الوضع فقد تحملت الخزانة العامة كل الأعباء المرتبطة بهذا النظام, حفاظا علي حقوق المشتركين ولضمان حد أدني من المعيشة يليق بهم, لأنه في ظل أحكام القانون الحالي تتحمل صناديق التأمين الاجتماعي بالمعاشات وكافة المزايا التأمينية الأخري التي يقررها القانون, وذلك في ضوء الاشتراكات التي يدفعها المؤمن عليهم وأصحاب الاعمال, وأما ما يزيد علي تلك التي يقررها القانون وتقررها قوانين أخري فتتحمل بها الخزانة العامة, حيث إنها مزايا ليست لها موارد. وفقا لما تقضي به المادة148 من قانون التأمين الاجتماعي رقم79 لسنة1975 والقاضية بان الحقوق التي تتقرر طبقا لهذا القانون هي وحدها التي يلتزم بها الصندوقان, أما أي زيادة تنجم عن قوانين أو قرارات خاصة فإن الخزانة العامة هي التي تلتزم بهذه الزيادة وتؤدي وفقا للقواعد التي يصدر بها قرار وزيرة التأمينات بالاتفاق مع وزير المالية. وبناء علي ذلك فقد تم تحميل الخزانة العامة بكافة الزيادات والمزايا السنوية التي قررتها الدولة لأصحاب المعاشات والمستحقين عنهم منذ العام المالي1987 وحتي الآن, وبمقتضي هذا أصبحت الخزانة العامة تتحمل نحو81% من اجمالي المعاشات المدفوعة, وبمعني آخر فإن كل جنيه يعطي لأصحاب المعاشات تتحمل الخزانة العامة عنه نحو79 قرشا. وهو مايشير الي أن القيمة الأكبر من المعاشات لاتخضع للحسابات الاكتوارية لصناديق التأمينات وإنما تأتي كمساهمة من الخزانة العامة لتخفيف أعباء زيادة تكلفة المعيشة عن كاهل المنضوين تحت النظام. وهنا يشير البعض الي ان تحمل الدولة لهذه الزيادات السنوية في المعاشات لا علاقة له بالحسابات الاكتوارية للصندوقين, وبالتالي فلا يجب تحميلها هذا الموضوع, وعلي الرغم من وجاهة هذه الحجة إلا أنها تهمل الهدف الاساسي من نظم التأمينات ألا وهو ضمان دخول حقيقية ونقدية لهؤلاء تضمن لهم الحفاظ علي مستوي معيشي لائق, وبالتالي لم يكن من المتصور ان تتخلي الدولة عن هذا الدور الحيوي والمهم خاصة إنها تمس قطاعا عريضا من المواطنين الذين قاموا بما عليهم من واجبات تجاه الوطن في فترات سابقة من حياتهم الوظيفية. والنقطة الثانية المرتبطة بهذا الموضوع تتعلق بالقرار الوزاري رقم272 والصادر في مايو2006 والمعدل للائحة التنفيذية لقانون الموازنة والقاضي بإضافة بند مصروفات تأمينية وإيرادات تأمينية وهو ما أثار البعض نتيجة لسوء الفهم من المقصود منه. ومن ثم تم إلغاؤه وأصبح لا وجود له, بموجب القرار الوزاري رقم668 لسنة2009 بتعديل بعض بنود اللائحة حتي يتلافي سوء الفهم الناجم عن القرار السابق. وثالث الأمور المرتبطة بهذه المسألة تتعلق بالخلاف الذي دار أثناء مناقشته للحساب الختامي للموازنة العامة للدولة عن العام المالي2009/2008 حول ما أثاره الجهاز المركزي للمحاسبات والخاص بإضافة وزارة المالية24.3 مليار جنيه في بند إيرادات أخري وذلك بالمخالفة لقانون التأمين الاجتماعي رقم79 لسنة1975, فهذا المبلغ يمثل فائض الفحص الاكتواري لحسابات المركز المالي لصندوقي التأمينات الاجتماعية في نهاية يونيو2007, وبمقتضي المادة الثامنة من القانون المشار اليه كان ينبغي ان يكون بها احتياطي خاص يستخدم لتمويل زيادة المعاشات أو تخفيض جزء من المديونية. وهو ما أثار حفيظة بعض الاعضاء باعتباره خطأ جسيما, بينما تري وزارة المالية أن الأمر لا يخرج عن كونه قيدا حسابيا بحيث أضيفت هذه الأموال في جانبي الإيرادات الأخري ثم أعيدت مرة أخري الي الصناديق في صورة مساهمات من الخزانة. وقبل ان نتعرض بالشرح والتحليل لهذا الموضوع الحيوي والمهم لابد من الإشارة الي أن البعض قد خلط بين الفائض الاكتواري المشار اليه في تقرير الجهاز, والفائض السنوي لصناديق التأمينات, فالثاني عبارة عن الفرق بين جملة الموارد الجارية للصندوقين وجملة الاستخدامات الجارية خلال عام, ووفقا لأحكام القانون فإن هذا المال يذهب الي بنك الاستثمار القومي كقرض والذي يقوم بدوره باستثماره, أما الفائض الاكتواري فهو عبارة عن الفرق بين الاشتراكات والمصروفات المتوقعة خلال فترة زمنية طويلة نسبيا تصل الي أربعين عاما علي الأقل, مع الأخذ بالحسبان جميع العوامل المؤثرة فيه مثل التطور الديموجرافي المتوقع للتركيبة السكانية وكل الإيرادات المتوقعة. وقد نظم القانون طرق استخدامه وذهب الي الصناديق كمورد ومن ثم فان الموضوع هو قيد حسابي أخطأت وزارة المالية في قيده, ولكنه في الأول والآخر ظل موردا من موارد الصندوقين ولم يدخل في الخزانة العامة. خلاصة القول إن أموال التأمينات مصونة بالدستور والقانون ولا يمكن التلاعب فيها بأي شكل من الاشكال, ولكن ينبغي الاهتمام والعمل علي مناقشة كيفية الحفاظ عليها وتنميتها مع تحسين موارد النظام التأميني وضمان حصول الأفراد علي حقوقهم التأمينية بأسهل السبل الممكنة.