لن يجد كاتب توقيتا أفضل من مثل اليوم ليطرح كتابا يحمل عنوان إعادة ضبط العلاقات: إيران وتركيا ومستقبل أمريكا والكاتب هو ستيفن كينزر. وهو ايضا مؤلف كتاب كل رجال الشاه قبل سنوات قليلة. ويري المؤلف أن أمريكا وبشكل نفعي براجماتي عليها أن تعتمد اليوم علي إعادة بناء العلاقات مع طهرانوأنقرة بإعتبارهما الطرفين الأقوي في المنطقة, وأن تركيا تطمح إلي زعامة المنطقة حيث هي المعجزة التي تنتظرها شعوب الشرق الأوسط علي حد وصف دبلوماسي تركي في الكتاب الذي صدر قبل ساعات عن دار نشر تايمز بوك التابعة لصحيفة نيويورك تايمز. يقول المؤلف إن البراجماتية التركية تتجلي في أن شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل ألقي أول خطاب من نوعه لرئيس إسرائيلي أمام مجلس تشريعي في العالم الإسلامي في أحد أيام خريف عام2007 وذلك في مدينة إسطنبول التركية وباللغة العبرية. يومها قال بيريز' تركيا ترسخ الثقة' في إشارة إلي العلاقة الحميمية التي تجمع بين البلدين ثم أردف في القاعة التي ران الصمت عليها' جئت من اجل أن أظهر العرفان لتركيا'. ويقول المؤلف أن تركيا نجحت في السنوات العشر الماضية في أن تعيد صياغة علاقاتها الدولية بجهد من مجموعة من زعامات وطنية بعد أجيال من الإختباء إعتمادا علي رصيد الجغرافيا والثقافة والسياسة من أجل وضع بلادهم لاعبا أساسيا علي المسرح الدولي من جديد. ويوضح المؤلف أن العلاقات الأمريكية- التركية التي تمر ببعض الإضطراب من وقت إلي أخر تمثل إحتياجا مهما للولايات المتحدة في اللحظة الراهنة. وقد ظلت تركيا لأكثر من ثلاثة ارباع قرن كامل علي أطراف الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وشمال أفريقيا والسلاف دون أن تطرح نفسها بقوة مثلما هوالحال اليوم في الوقت الذي كانت تتهرب من ماضي الدولة العثمانية وتحتمي في منظومة الأمن الغربي وحلف شمال الأطلنطي. وعلي الخريطة العالمية الجديدة لم تعد تركيا تقع علي أطراف المناطق السابق ذكرها بل تريد أن تتحول لتصبح مركز الجاذبية في سائر مناطق' أوراسيا' التي تتاخمها. ويقول الكتاب أن الموقع الجغرافي والتراث العثماني والمزيج الناجح الذي تقدمه ما بين الديمقراطية والإسلام هوالذي يضعها في مكانة إستراتيجية كبيرة اليوم. ويقول المؤلف إن تركيا تنتهز الفرصة اليوم ليس فقط لمصلحة نفسها ولكن أيضا من أجل تحقيق مصلحة الولايات المتحدة والغرب. وفي هذا السياق تقوم تركيا اليوم بأدوار عديدة منها المنسق والمسهل والوسيط والمحكم حيث تحتاج الساحة الدولية دولة من هذا الطراز. فعندما طلبت إسرائيل بدء محادثات سرية مع سوريا ذهبت إلي أنقرة وعندما قرر السنة في العراق مقاطعة الإنتخابات التشريعية أقنعتهم تركيا بتغيير موقفهم. ويقول المؤلف أنه اينما حل الدبلوماسيون الأتراك في بلدان تعاني من التمزق سياسيا مثل افغانستان ولبنان وباكستان تجد الجميع يلتف حولهم وتعمل الدبلوماسية التركية علي تلطيف الأجواء بين واشنطنوطهران وبين بغداد ودمشق وبين أرمينيا وأذربيجان. ولا يوجد دبلوماسيون يلقون ترحيبا في كل العواصم التالية واشنطن وموسكووالقاهرة ودمشق وبغداد وتبليسي بخلاف الأتراك وحدهم. كما أن العلاقات الجيدة مع حزب الله وحركة حماس وطالبان تخدم الأتراك في إمكانية تحقيق نفوذ أوسع بفضل العلاقة الجيدة مع الأطراف الأخري المقابلة وهي حكومات لبنان وإسرائيل والحكومة الأفغانية. ويوضح المؤلف أن أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي الحالي هوصاحب تصور اومفهوم' العمق الإستراتيجي' والذي يقوم علي تقديم تركيا بإعتبارها صانع سلام نشط للغاية ومشروعه الأول هوإنهاء جميع المنازعات بين تركيا ودول الجوار الجغرافي وهوما نجح فيه إلي حد كبير. والمشروع التالي أكبر من ذلك بكثير وهوليس الإبقاء علي العلاقات الطيبة مع الجوار ولكن دور تركي في الوصول إلي' لا مشكلات بين دول الجوار' لأن المشكلات تعوق التنمية في المناطق المجاورة وتؤثر علي تركيا أيضا. وقد نجحت الحكومة التركية الحالية في الخطوة الأولي وهي أن تنزع من عقول العالم الاسلامي فكرة سطوة العلمانيين علي البلاد وأنها وكيل الولايات المتحدة في المنطقة من خلال الدخول في مساجلات ومشاحنات مع أمريكا وإسرائيل تظهر أمام العالم العربي والإسلامي في صورة الدولة المستقلة في سياستها الخارجية والدولة التي تجمع ما بين التقليد والتحديث تحت سقف واحد. ويقول سيدات لاسينر المستشار النافذ بوزارة الخارجية التركية' مشكلات مثل فلسطين واحتلال العراق والشيشان وأفغانستان وإحتلال إقليم كارباخ من جانب أرمينيا قد خلقت حالة من اليأس وغالبية الشعوب في العالم الإسلامي لا يثقون في حكوماتهم من أجل حل مشكلاتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية وهم يحتاجون إلي رؤية معجزة وهذه المعجزة هي تركيا'. ويقول المخططون الإستراتيجيون في أنقرة أن تركيا نجحت في الهرب من المدار الأمريكي بحيث أصبحت العلاقات تتسم بالندية بعد الإنفصال والدليل هورفضها استخدام الولايات المتحدة لاراضيها ضد العراق وشجبها للسلوك الاسرائيلي في غزة من اجل تدعيم مكانتها في العالم الاسلامي مع الإحتفاظ بالأهداف الإستراتيجية نفسها التي تجمعها بالولايات المتحدة. ويوضح المؤلف أن كلا من الولايات المتحدة وتركيا من الأنظمة المحافظة بطبعها بمعني أن الوضع الحالي للنظام الدولي يحقق المصلحة لكلا البلدين وليست هناك حاجة لإعادة تشكيله بشكل راديكالي. علي سبيل المثال كل من أنقرةوواشنطن ترغبان في رؤية عراق ديمقراطي يعيش في سلام وإيران المسالمة التي لا تهدد جيرانها ونهاية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وشرق أوسط مستقر بلا جماعات راديكالية والتنسيق في الحرب علي الإرهاب وتأمين شبكات البترول والغاز إلي الغرب دون إبتزاز سياسي اوإقتصادي وتحقيق استقرار في أفغانستان وباكستان وكشمير وجميعها نقاط إلتقاء بين المصالح التركية والأمريكية. ويقول المؤلف أنه رغم التوتر الذي يبدوعلي واشنطن من السلوك الخارجي لتركيا إلا أنه في النهاية يخدم المصالح التركية والغربية معا. وتقوم تركيا اليوم بممارسة تدريبات علي كيفية عدم تصعيد التوتر بشأن قضايا إسلامية إلي مستوي الصراع وهوما ظهر جليا في أزمة أسطول الحرية الأخيرة. ويقول المؤلف ان الشعب التركي شعب عاطفي لكن المشاعر العاطفية هي عدوالسياسة الخارجية الواثقة أوالثابتة لكن الزعماء الأتراك يتركون- من وقت إلي اخر- تلك المشاعر تقود رد فعلهم تجاه إسرائيل فيما تري الزعامات الإسلامية الحاكمة أن الدور الإقليمي يعني عدم الوقوف ضد أي طرف ومن بينهم بالقطع إسرائيل. في هذا الإطار تعاني الولايات المتحدة اليوم من استمرار معاداة إيران وما يسببه ذلك من ورطة للسياسات الأمريكية التي تدرك أنها تحتاج إلي بعض' الأدوات التاريخية والثقافية' لتبحر من جديد في أمواج الشرق الأوسط وربما تصبح تركيا هي المرشد الجديد في المنطقة. ويقول كينزر إن إيران تمثل اليوم ما كانت تمثله ألمانيا للولايات المتحدة في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية حيث ظلت أوروبا في قلق دائم في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا هي البلد المشاكس وبعد الحرب أدرك الأمريكيون ان مفتاح الإستقرار في إحتواء ألمانيا. اليوم يمكن أن ينطبق التشبيه علي إيران في الشرق الأوسط. لكن عقاب إيران غير وارد فهي لم تهزم في حرب ضد امريكا ومازالت تظهر صلابة في مواقفها وهوما يوقع واشنطن في معضلة مدي إمكانية إستمرار المواجهة الي ما لا نهاية. في المقابل جميع الأهداف الأمريكية من تحقيق الإستقرار في العراق إلي مواجهة الأصولية الإسلامية تحتاج إلي تعاون طهران حيث أثبتت خبرة الأعوام الثلاثين الماضية أن إيران' المعزولة' هي القادرة علي إفساد الأهداف الأمريكية وأن الأخطاء الأمريكية هي التي أدت إلي نموقوة إيران في مطلع القرن الحادي والعشرين. ويقول المؤلف أن ما إعتقدت الولايات المتحدة أنها عقوبات ستصيب إيران بالشلل هي في واقع الأمر التي دعمت سلطة النظام وهما صدام حسين وطالبان. وتبدو الإدارة الأمريكية مقتنعة بإمكانية التعاون مع إيران من منطلق أنها البلد الوحيد القادر علي المساهمة في إستقرار العراق بشكل حقيقي ويمكن ان تلعب دورا في أفغانستان ولواستقرت الأوضاع ستكف عن تهديد إسرائيل وتحجم الجماعات الموالية وهوما سينعكس علي العلاقات مع العالم الإسلامي ويسهل من تراجع طهران عن دعوة الروس إلي مزيد من التدخل في الشرق الأوسط. ورغم التخوف في بعض عواصم المنطقة من منافسة إيرانية علي العلاقة مع واشنطن إلا أن المؤلف يقول إن الجميع في المنطقة سيربحون من تراجع التوتر ويتوقع بالتالي بدء إجراءات بناء الثقة قريبا بعد أن وصل الجانبان إلي المنحني الخطر!