ومن أبشع أنواع الظلم سجن المرء عن جريمة لم يرتكبها. خلاف وقع بين صديق لي تعود صداقته إلي مرحلة الاعدادية, وأعلم جيدا خلقه الكريم وسجاياه الطيبة ومنبته الأصيل, وبين محام وكله في إحدي القضايا ثم حدث ذلك الخلاف, فقرر هذا المحامي الانتقام من صديقي فقام بتزوير ايصال أمانة عليه بمبلغ كبير ثم تقدم ببلاغ إلي النيابة( جنحة مباشرة), وأخذت الاجراءات القضائية طريقها المعهود دون علم صديقي حتي صدر الحكم النهائي عليه بالسجن لمدة عام. وفوجئ الرجل بالقبض عليه منذ شهرين بعد أن نجح ذلك المحامي في تفويت الفرصة عليه لاتخاذ أي اجراء قانوني يثبت من خلاله براءته! فقامت أسرة صديقي واخوته بالسعي لدي جميع الجهات القضائية بتقديم مذكرات توضح الحقيقة وتطالب بنقض الحكم, واخلاء سبيل أخيهم, والمأساة أن هذا الصديق تم فصله من عمله بسبب هذه التهمة المشينة, وهو ما يعني تدمير حياة أسرته والقضاء علي سمعته ومستقبله! والسؤال: كيف يمكن لأي شخص وبهذه البساطة أن يلفق تهمة ما لشخص آخر ثم يضيع حق المظلوم في الدفاع عن نفسه أمام القضاء؟! لقد تم رفض الاستشكال الذي تقدم به صديقي للمحكمة تحت مبرر عدم المساس بالحكم. وهنا يبرز سؤال آخر يغلفه المنطق: أيهما أولي وأهم لدي المشرع والقضاء للحماية وعدم المساس.. الحكم الذي هو ليس قرآنا منزلا وهو مع كامل احترامنا له نتاج اجتهاد بشري يحتمل الصواب والخطأ أم الانسان الذي يدفع ثمنا باهظا من حياته ومستقبله وسمعته وشرفه وصحته واستقرار أسرته وأمنها النفسي والاجتماعي من جراء عقوبة السجن ظلما؟ لماذا لايؤخذ في الاعتبار لدي المشرع وأهل الحل والعقد احتمال صدق المتهم في تظلمه بعد انتهاء مراحل التقفاضي وصدور الحكم النهائي بسبب تلك الألاعيب والخدع التي يلجأ اليها النصابون ومعدومو الضمير؟.. لماذا تغلق منافذ الرحمة وتوصد أبواب الأمل في وجه المحكوم عليه بالسجن فيمنع من الدفاع عن نفسه, وعرض حجته ومبررات براءته, وهو حق انساني أصيل لايجوز في اعتقادي أن تحرمه منه أي اجراءات أو لوائح مهما تكن قداستها. فالانسان عند خالقه سبحانه أعظم وأجل من أي شيء في الوجود. لماذا لكي نصون كرامة وآدمية وحياة الانسان المصري لايعاد النظر في بعض مواد قانون العقوبات واجراءات التقاضي بسبب ما استجد علي المجتمع المصري من خراب الذمم وموت الضمائر وانهيار الأخلاق؟ إن القضاة هم ظل الله في أرضه.. والله سبحانه هو العدل والحق واذا كان القضاة في سائر بلاد العالم يتميزون بالحكمة وتنديس الحق والعدل فإن قضاتنا المصريين مع تلك السمات النبيلة يتميزون بسمة انسانية رفيعة ألا وهي الرحمة الموجودة في ثنايا روح القانون, والتي هي من فيض رب العالمين. ان الكلمة الفاصلة في واقعة صديقي المسجون حاليا ظلما تكمن في قرار كل من السيدين المستشار النائب العام ومكتبه الفني, والمستشار رئيس محكمة النقض.. ان الرجل في حاجة ماسة إلي فرصة لكي يدافع عن نفسه كما يحتاج الظمآن في لهيب الصحراء إلي شربة ماء لكي يحيا ليس فقط للخروج من السجن خاصة بعد أن أبدي استعداده لإيداع المبلغ في خزينة المحكمة, ولكن أيضا لتبرئة ساحته واسترداد شرفه حتي يمكنه العودة إلي عمله وممارسة حياته الطبيعية بين الناس دون أدني احساس بالخجل أو العار, فالأمر هنا لايخص فردا واحدا بل أسرة كاملة مهددة بالضياع دون أدني جريرة. محمد سعيد عز { محرر بريد الأهرام: أتلقي كثيرا رسائل تفيض حزنا لمواقف مماثلة بين مواطنين ومحامين وكلها تتعلق بإيصالات أمانة مزورة.. فما هو الحل يارجال العدل؟