تعرضت سويسرا أو فلنقل تعرض النظام المصرفي السويسري الذي يلتزم قاعدة سرية الحسابات لحملات قاسية من جانب كل من الولاياتالمتحدة وألمانيا وفرنسا طوال عام2009. وربيع العام الحالي لارغام المسئولين التخلي عن هذه السرية التي كانت الباب المفتوح لاستقبال أصول ضخمة من الراغبين في التهرب من الضرائب في بلادهم, ومن مجموعة هائلة من الحكام الفاسدين وأعوانهم, وأعداد من المسئولين الذين يحصلون علي رشاوي أو عمولات ضخمة, ولا يريدون لأحد أن يعرف أو يكشف أسرارهم. ومع احتدام الأزمة المالية العالمية, والتي بدأت فصولها بالولاياتالمتحدة اتجهت رؤوس أموال ضخمة إلي سويسرا, وبما أدي إلي تقليص السيولة المتاحة. وقد أعلنت أكثر من جهة ومؤسسة دولية أن المبالغ المودوعة في البنوك السويسرية تقدر بألفي مليار دولار, وقالت مؤسسات أخري أن سويسرا تستحوذ علي نسبة25% من الأصول الأجنبية في العالم, ومثل هذه الأوضاع لا تحظي برضا القوي المالية الكبري في العالم, التي تسعي لكشف أسرار المتهربين من الضرائب بصفة خاصة, ومعرفة أصحاب الودائع التي تحيط بها الشبهات, وللحد من اتجاه الناس بأموالهم إلي البنوك السويسرية خلال الأزمات المالية والاقتصادية من أجل هذه الأسباب المعلنة, وأسباب أخري غير معلنة, أطلقت القوي الدولية الكبري حربا ضد قواعد السرية التي تلتزم بها وتطبقها البنوك السويسرية. وتحت وطأة النفوذ الضخم والتأثير القوي للولايات المتحدة وفرنسا والمانيا, وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس سويسرا علي قائمتها السوداء بصورة مؤقتة ابتداء من ربيع العام الماضي, فيما يتعلق بالملاذات الضريبية غير المتعاونة. وأمام هذه الضغوط قررت السلطات السويسرية تعديل قوانين السرية التي تلتزم بها البنوك لكي تتوافق مع القواعد التي وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية, والتي تضم30 دولة من بينها27 دولة هي الأعلي دخلا في العالم, أما الثلاث المتبقية, فهي تركيا وبولندا والمكسيك لكي تتجنب فرض عقوبات عليها باعتبارها ملاذا ضريبيا, أي دولة يلجأ إليها كل من يريد التهرب من دفع الضرائب المستحقة عليه في وطنه. ومثل هذه الخطوة نحو تخفيف قواعد السرية المفروضة علي الحسابات استفادت منها الولاياتالمتحدة, حيث حصلت علي قائمة تضم300 مواطن أمريكي ممن لهم ودائع في سويسرا, وحامت حولهم شبهات التهرب من الضرائب. ويعترف خبراء الاقتصاد بأن الخطوة السويسرية رغم أنها لم تلغ السرية بشكل كامل, قد أسهمت في تعزيز التعاون بينها وبين القوي الاقتصادية والبنكية في العالم بالإضافة إلي ما أدت إليه من انتعاش في نشاط البنوك, وعلي الجانب الآخر, فقد بدأ المودعون في البنوك السويسرية يتحسبون من خطوات مقبلة, فإذا كانت سويسرا قد خفت من قواعد السرية تحت الضغط, فماذا يمنع القوي الدولية من مواصلة الضغط من أجل مزيد من الشفافية. ومن المعروف أن هناك ملاذات ضريبية أخري منها بلجيكا والنمسا ولوكسمبورج واندورا وليختنشتاين واكب الضغط علي سويسرا حملة من الضغوط علي هذه الدول أدت إلي نتائج أفضل مما تحقق في سويسرا. وكخط دفاع أخير لحماية ما تبقي من سرية في سويسرا, أعلن المسئولون الحكوميون أنهم لن يفكروا في أي خطوات إضافية, إلا بعد أن توثق الدول الأخري الاتهامات الموجهة لبعض المودعين بالتهرب من الضرائب, وبدون دلائل قوية ووثائق واضحة, فإن البنوك ستحافظ بقوة علي ما تبقي من قواعد سرية الحسابات.