-15- سافر من قريته. وحجابه الملفوف حول قلبه. عبارة أمه: - ربنا يوقفلك ولاد الحلال. دعوة أمه أشعرته بالأمان. فإن وجدهم لأن أبواب السماء كانت مفتوحة أمام دعاء أمه. وإن لم يجدهم ربما أخطأ وعقوبته ألا يجد ولاد الحلال, أما أولاد الحرام. فالشر زبرة وبعيدس. -16- بحث عن أولاد الحلال في خياله عندما شاهد أقدام الغرباء تحيط به. تبخر إحساسه بالجوع. نسي أن له بطنا. ها هم أولاد البندر طالما سمع عن شرورهم. وتوقع أذاهم. مجموعة من الرجال. أحاطوه بأحكام. مد كبيرهم يده. أمسكت بقفاه بقسوة. ويد أخري أمسكت بيمينه. ويد ثالثة أمسكت بيساره. - قوم معانا. - علي فين يا بلدينا. رفعوه رفعا. كأنه جوال ذرة. أو كيس قطن: - بعدين حا تعرف. -17- شعر أنه زوران. آخر لقمة وقفت في زوره. لا يمكن أن يطلب منهم ماء ولا حتي أن يتركوه في حاله. أعينهم يطق منها الشرار. في يد كل واحد عصا. قالوا في قريته: العصا لمن عصا. وهو لم يعص ولا حتي الهواء. مطيع دون أن تطلب منه الطاعة. قبل التحرك. فتشوا بقايا ما كان أمامه. لم يجدوا ما يستحق أخذه. قال واحد منهم: ما كانش فاضل إلا أن يأكل بلاط التل طوار. -18- أكثر ما آلمه لمة الناس حوله. زحام ولا يوم الموقف العظيم. من أين خرج هؤلاء الناس؟ أين كانوا؟ كان المكان هادئا. لدرجة أنه خاف علي نفسه من صمت الليل الطويل. وكل من وقف قال الكلمة التي قدرها الله علي قولها: - حرامي. قتال قتلة. ممسوك بسريقة. استغرب كلمة القتل. لو رأي نقطة دماء لمات من الرعب عمن يتكلمون. أخذوه نواحي سيارة بوكس زرقاء اللون. الوحيد الذي يرتدي بدلة. ركب بجوار السائق. والذين يمسكون به رفعوه ذ دون كلام, وأجلسوه في الصندوق الخلفي للسيارة. فكروا في ربطه بكلبش مثبت في السيارة. واحد قال المسافة لا تستحق. أول مرة يركب فيها سيارة خصوصي. وسط هذه الحراسة. أخذوه لمبني كبير. مكتوب عليه بكتابة قديمة تاهت معالمها: الشرطة في خدمة الشعب. ربما كان مشطوبا عليها. وبجوارها كتابة أخري: الشرطة والشعب في خدمة القانون. إنه الكركون يسمونه: القسم. سأل عن الحكاية. سمع كلمات. قلبت تركيزه. قيلت من خلال كز أسنان. إسكت. إخرس. ولا كلمة. فكر أن يستحضر عبارة أن السؤال, مجرد السؤال ذ لم يحرم. من لحظة دخوله المكان. وهم يتعاملون معه باعتباره أهم واحد. إن طلب ماء أحضروه له ووقفوا يراقبون نزوله في زوره, ربما فتشوه قبل إحضاره له, إن ذهب لدورة المياه أخلوها قبل دخوله من الناس. وقف واحد علي الباب. وواحد وراء النافذة رغم أنها نافذة من الحديد. إن جلس أحاطوه به. -19- ما أن رأي صاحب محل الساعات الذي اشتري منه الساعة. وشاهد الفارق في المعاملة بينه وبينه. هو مقبوض عليه. وصاحب المحل يبدو محمولا علي كفوف الراحة. طريقة التعامل ونوعية الكلام. أكدت له أنه عمل عملة سوداء. وأن الذي أبلغ فيه صاحب المحل. أوشك أن يقول له أنه لو أفهمه أن بيع الساعة خطأ لأعادها لمكانها ولكنهم منعوه. بدأ يستوعب الأمر. أخذوا صاحب المحل أولا. وبعد خروجه. ودعوه بما يليق من الاحترام. أخيرا. استدعوه. -20- منتصف الليل. يقولون عن هذه اللحظة في قريته: والليل يخر عن آخره. استدعوه للضابط النوبتجي. أمامه علي المكتب الساعة. كانت السبب فيما جري. رمشت عيناه عندما وقع نظره عليها. ركز الضابط عليها. سأله: - معترف؟! رد علي السؤال بسؤال: - بإيه يا سعادة البيه. لم تر عيناه ولا حتي النوم مما جري له, كيف ينكر وجسم الجريمة يكاد يخرق عينه؟ قال لنفسه: - مين اللي قال إني أنكر؟ حسبوه مجنونا يكلم نفسه. كتبوا كلاما كثيرا في الأوراق. كان أذان الفجر يشقشق. رأي لحظتها نوره الأزرق يطل عليه من فتحة صغيرة في السقف. حن لصوت أول ديك يؤذن في قريته فينتشر الفزع والاضطراب بين باقي ديوك قريته. وتبدأ عباد الرحمن في الصحو من النوم. -21- سيعرض علي النيابة غدا. سيودع في الحجز حتي لحظة العرض والساعة ستحرز. مع الحرص عليها وتشديد الانتباه لها. حتي لا تكسر أو تتلف. نظرا لقيمتها غير العادية. لعرضها معه علي النيابة. هل يحلم بمعاملة مثل التي ستلقاها الساعة؟ لحظة دخوله الحجز كان ذاهلا عما حوله. هل للندم قيمة بعد فوات الأوان؟ سمع كلمة أمه التي كانت تقولها له: - من خرج من داره. انهد قدره وانقل مقداره. قالت له: - يا خوفي عليك من سكة الندامة. همست لنفسها: - يا خوفي عليه من سكة اللي يروح ما يرجعشي. نهنهت لنفسها: - قلبي علي ولدي انفطر. وقلب ولدي علي حجر.