هناك فجوة حقيقية بين الإعلام الأمريكي( التيار الرئيسي) والعالم الخارجي ودون أن نتطرق إلي من الذي علي خطأ ومن الذي علي صواب في تغطية واقعة أسطول الحرية نعرض للمناخ الإعلامي. الذي صاحب الأزمة في ساعاتها المبكرة والتطورات الأخيرة في الصحف والشبكات التلفزيونية الأمريكية في محاولة لفهم تأثير هذه المعالجة المنظمة والمدروسة علي صناعة القرار السياسي الأمريكي فيما يخص الشرق الأوسط وتعقيداته.. فقط نذكر أن غالبية الإعلام الأمريكي لديها مبررات تتناقض مع ما نراه في عالمنا العربي وما تراه النسبة الأكبر من الرأي العام العالمي. استيقظت الولاياتالمتحدة يوم الثلاثاء علي أنباء المواجهة الدامية في البحر المتوسط بين قوات الكوماندوز الإسرائيلية و أسطول الحرية. وفي الساعات الأولي للحادث ضبط الإعلام الأمريكي موجة التغطية لتفادي مأزق إدانة إسرائيل بشكل مباشر بحيث يتم التخفيف من القصة بتوجيه اللوم مباشرة إلي المنظمة التركية التي نظمت قوافل الإغاثة رغم المعارضة الإسرائيلية لكسر الحصار البحري المفروض علي القطاع. وفي حوار بين كاتب هذه السطور وصحفي يعمل في جريدة كبري في واشنطن قال الأخير إن اجتماع تحرير الصحيفة المرموقة صباح يوم الثلاثاء ركز علي ضرورة فضح ما سمي العلاقة ما بين منظمة الإغاثة التركية وتنظيم القاعدة والتمويل الذي تحصل عليه حماس من المنظمة التركية مقابل تنفيذ أجندات إقليمية محددة! وفي مساء الثلاثاء بث عدد هائل من مواقع إلكترونية لليمين الأمريكي لقطات الفيديوالتي بثتها إسرائيل حول تعرض جنودها للضرب عند هبوطهم علي سطح السفينة مرمرة لتحجيم خسائر السمعة عالميا. وفي توقيت مماثل كانت الطبعات الإلكترونية من الصحف قد خرجت بمقالات تدعم هذا الخط بوضوح ومن أهمها مقال الكاتب المتخصص في الشئون العسكرية ماكس بوت المعروف بانتمائه لليمين المحافظ في صحيفة' وول ستريت جورنال'. وقال ماكس بوت إن إسرائيل أخطأت عندما لم تتعامل مع الأسطول في مهده بمعني أنها لم تقم بتخريب السفن المشاركة قبل خروجها من الموانئ التركية وأن إسرائيل دولة ديمقراطية ما يجب ان تفعل ما يفعله الآخرون في نادي الديكتاتوريات. ويقول' تضطر الدولة العبرية لخوض حرب استنزاف غير مرضية مع حماس وحزب الله والكيانات الأخري والذين عقدوا العزم علي تدميرها. وأضاف: إسرائيل لا تملك اي خيار سوي أن تستمر في فعل ما تقوم به, علي عكس الفرنسيين في الجزائر أوالأمريكيين في فيتنام فإنه لا يمكن للإسرائيليين ببساطة حزم الحقائب والعودة إلي ديارهم. وإذا رغبت إسرائيل الاستمرار في الوجود فلا بد لها أن تستمر في شن حرب منخفضة الشدة لفترة طويلة قادمة.. بالتأكيد لسنوات وربما عقود أو قرون. ويسوق اليمين الأمريكي لمقارنات بين وضع إسرائيل اليوم في مواجهة' الإرهاب' القادم من قطاع غزة وما واجهته الولاياتالمتحدة في ألمانيا واليابان ثم في العراق وأفغانستان وكيف ان الأمة الأمريكية لم تهنأ بمديح من الأسرة الدولية علي ما فعلته في البلدين الأخيرين ونالت النقد عوضا عنه. وهذا هومربط الفرس في طريقة مخاطبة نخبة صحيفة' وول ستريت جورنال' التي يكتب بها ماكس بوت وطريقة مخاطبة المواطن الأمريكي العادي في قنوات مثل' فوكس نيوز' الموالية لإسرائيل والتي تقف علي خط صدام شبه دائم مع الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط وأمريكا نفسها. المعتاد أن الصحف والمجلات الموجهة إلي النخبة أنها تستدعي المقارنات التاريخية المعقدة نسبيا علي رجل الشارع من أجل إقناع قارئها أن إسرائيل هي الوجه الحديث لنضال الأمة الأمريكية من اجل العيش في سلام والتضحية من أجل مجتمع ديمقراطي بينما تركز المحطات الشعبية والصحف الواسعة الانتشار علي الصلات بين مواجهات إسرائيل في المنطقة وتنظيمات إسلامية متطرفة مثل القاعدة وفروعها ومموليها المحتملين. وفي الحالة الأخيرة وجدت الصحف والشبكات التلفزيونية مادة جاهزة تتعلق بما يعرف ب' أئتلاف الخير' الذي تقوم وزارة الخزانة الأمريكية بتجميع وتحديث البيانات الخاصة به منذ فترة طويلة. ووفقا للمصادر الأمريكية فإن الإئتلاف الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي يضم في عضويته جماعات ومنظمات إقليمية من بلدان شتي ومن بينها منظمة غير حكومية تركية تدعي مؤسسة حقوق الإنسان والحرية والإغاثة الإنسانية ومقرها أسطنبول. وتقول المعلومات التي ركزت عليها الميديا الموالية لإسرائيل احدثها مانشيت النيويورك تايمز يوم الأربعاء ان المنظمة التركية هي عضو في إئتلاف الخير المؤلف من خمسين جمعية إسلامية من بينهم حماس وسبق أن منعت إسرائيل المنظمة التي تأسست عام1992 من دخول أراضيها بسبب عضويتها في هذا الإئتلاف ثم قامت الحكومة الأمريكية بإدراج الإئتلاف ضمن لائحة الكيانات الداعمة للإرهاب في عام2008 وقالت الخزانة الأمريكية ان الإئتلاف يستخدم أمواله لدعم حماس سياسيا وعسكريا. وعرضت الميديا والمواقع المختلفة تفاصيل عن إجتماعات جرت بين رئيس المنظمة التركية وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في دمشق العام الماضي. من زاوية أخري تقترب أنتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ والانتخاب الكامل لمجلس النواب بعد خمسة شهور فقط وهويعيد الصراع التقليدي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي علي أصوات الناخبين والمتبرعين والنشطاء اليهود. وفي هذا السياق خرجت المرشحة السابقة لانتخابات الرئاسة الأمريكية سارة بيلين بمقال علي' اليوتيوب' تشير فيه إلي ابتلاع إسرائيل للطعم الذي ألقته عن عمد في مياه البحر المتوسط المنظمات السابق ذكرها بينما قال المذيع المثير للجدل جلين بيك في قناة فوكس نيوز إن الرئيس باراك اوباما نفسه مشارك فيما حدث نظرا لمعرفته بنشطاء من حركة غزة الحرة مثل بيل ايرز وجودي إيفانز وأنهما تبرعا لحملته الانتخابية بمبالغ كبيرة. الشد والجذب في الإعلام الأمريكي ظاهر للعيان لكن أرضيته ليست أرضيتنا.. ومنطلقاته لا تمت لما يدور في منطقتنا بصلة..الفجوة الإعلامية بيننا وبينهم عمق مياه البحر المتوسط الذي كان شاهدا علي فصل في مأساة منطقة أستوطنها الإضطراب وانعدم فيها الأمل.