قليلة هى الكتابات التى تضع همها الأساسى فى الكشف إنها الكتابات التى تسعي لتفسير ماكان وماهو كائن، والتى تثير حيرتها أسئلة مثل لماذا حدث ماحدث، أو كيف حدث ماحدث؟ وبالتالي فهي كتابات تسعي لتمليكنا رؤية جديدة أو فهما مختلفا لكل ما أحاط ويحيط بنا من تطورات. والكتاب علي صغر حجمه نحو120 صفحة يمس عقل ووجدان القارئ عبر التطواف به في قضايا ومواضيع شتي, إذ يستغرق الجزء الأول في بيان تبدل الأحوال والناس والأماكن في قرية مصرية بالدلتا استجابة للتطورات الاقتصادية/ الاجتماعية التي شهدتها البلاد وتزايد عدد المتعلمين من أبناء القرية وانتهاء بتفشي البطالة بينهم خاصة بدءا من تسعينيات القرن الماضي. ستجد هنا تفسيرا لتلك الخلاصة العبقرية التي يصل إليها الكاتب وهي أن القرية كانت تنمو روحيا في اتجاه روح عشوائيات المدن, خاصة قشرتها الحديثة وفي القاع بقي هناك الفلاحون الذين يزرعون الأرض من آلاف السنين.. ستجد رصدا بعين واعية لما أفرزته تطورات مثل تغير نمط الزراعة من زراعة معيشية الي زراعة المحاصيل النقدية ومن تغير في أنماط الملكية مع ثورة يوليو والإصلاح الزراعي وطبيعة العلاقة التي نشأت عبر علاقة جديدة مع سيد جديد هو الجمعية الزراعية وستجد رصدا كذلك لما شكله دخول الكهرباء من انقلاب في نمط معيشة القرية ذاتها, بل وحتي مدي تبدل الإحساس بليلها ومايشكله من مخزون أسطوري في وعي القرويين, ولايفوت الكاتب هنا التعرض لأنواع لمبات الإنارة التي كانت موجودة قبل دخول الكهرباء وطبيعة ووقت استخدام كل منها. ويأخذنا عادل عصمت إلي حد رواية كيف تأثرت علاقات مثل الغزل والحب والزواج والجنس في القرية المصرية علي مدي نحو نصف قرن بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما يروي لنا كيف تطور الإحساس بالزمان والمكان معا مع تغير وسائل الانتقال وتوافر وسائل الاتصال الحديثة من سيارات الأجرة بدءا من عربة فورد قديمة واحدة ربما موديل العشرينيات بدأت العمل في القرية قبل ثورة1952 لتصبح المسافة مابين القرية ومدينة طنطا البالغة15 كيلو مترا مجرد مسافة قصيرة يمكن بلوغها في دقائق بعد ان كانت مسافة طويلة تحول بين أبناء القرية الذين يتلقون العلم في المدينة وبين العودة لقريتهم إلا كل فترة زمنية طويلة وانتهاء ببناء موقف كبير للسيارات الأجرة في القرية مع زيادة عدد السكان وابتكار وسائل جديدة لتوظيف اعداد كبيرة من شباب القرية المتعلمين العاطلين وتوفر مصادر جديدة للدخل. وخاصة عند السفر للعمل في الخارج تبحث عن فرص للتوظيف ليذهب جزء منها إلي شراء مثل هذه السيارات والجزء الآخر إلي بناء بيوت أسمنتية, ويحفل النصف الثاني من الكتاب بالحديث عن تطورات شهدتها مدينة طنطا, حيث يركز الكاتب علي أماكن مثل المقاهي ودور السينما ويكشف العوامل الكامنة وراء التطورات التي شهدتها علي مدي زمني طويل, إنها قصة ازدهار وانهيار وتبدل أدوار وجمهور هذه الأماكن في مدينة في دلتا القاهرة وربما تكون الميزة الكبري لكتاب ناس وأماكن ومايمنحه متعته الخالصة هو أنه كتاب عصي علي التصنيف, إذ بينما يتصدي لموضوعات أشبه بأن تكون موضوعات للبحث العلمي فإنه يقاربها بلغة حكي رصينة وجميلة علي نحو يجعل من كتاب أشبه بمجموعة من القصص القصيرة المرتبطة ببعضها البعض, كما أن مقاربة هذه الموضوعات تتم عبر حكايات متفرقة وممتعة عن أشخاص من لحم ودم يحولون الموضوعات المعقدة نوعا ما إلي حكايات ممتعة يسهل معها معايشتها. ومايمنح كتاب كاتب مبدع مثل عادل عصمت أهميته هو أنه ربما كان الهم الأساسي للكاتب كما يقول في أحد موضوعات كتابه كنت أعاين في تلك اللحظة شعرية خارج الكتب, في الحياة لا أترجم الكلمات إلي صور ذهنية بل علي أن أترجم الصورة إلي كلمات وقد نجح في فعل ذلك أيما نجاح بإعادة تصنيف وترتيب آلاف الصور التي اختزنها خياله منذ أن كان طفلا بالقرية إلي أن رحل ليتلقي العلم ويعيش في طنطا. صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة( سلسلة هوية المكان).