لوساكا من محمد علي: المصريون لديهم فريق واحد لجميع المناسبات, سواء كانت كرة القدم أو الغناء أو الرقص. وأسماؤهم واحدة: إبراهيم حسن, وحسام حسن, وأحمد حسن, وحسن حسن. وفي المرة السابقة التي جاءوا فيها إلي لوساكا ارتدوا فانلات فريق الزمالك. وضعنا لهم سيانيد البوتاسيوم عند خط المنتصف, وبرغم هذا أنهوا المباراة لصالحهم بجدارة وكانت النتيجة2/ صفر. إليكم: مصر. بهذه المقدمة الطريفة قدم المذيع اللامع بوب موكوشا الفقرة المصرية في أمسية حافلة بالمنافسين من تسع دول إفريقية. أما المناسبة فكانت عيد الحرية يوم الاستقلال, ذكري مرور45 عاما علي استقلال زامبيا. في التاسعة من صباح ذلك اليوم, توجهت جميع الفرق الفنية إلي القرية الأوليمبية في ضواحي لوساكا وكان من بينها الفرقتان المصريتان: العريش للفنون الشعبية والطبول النوبية. وأحسنت وزارة الثقافة الاختيار بإرسال الفرقتين دون أدني شك أو مجاملة.. كان علي اللجنة المنظمة أن تشاهد أولا جميع العروض صباحا في الهواء الطلق. والهدف من ذلك تقييم المدة الزمنية المناسبة لكل فرقة, وكسر الرتابة بعروض مختلفة في حالة تشابه بعض العروض. وبدأت الفرق تقديم عروضها واحدة وراء الأخري: زامبيا, الدولة المضيفة, وزيمبابوي, وموزمبيق, ومالاوي, وناميبيا, وكينيا, والكونجو الديمقراطية, وجنوب إفريقيا, ومصر. وتغيب عن العرض السودان, وبوتسوانا ونيجيريا! تميزت جميع العروض الإفريقية بقوة الأداء, والصدق الشديد. حركات الجسد تنقل الرسالة إلي المشاهدين دون حاجة إلي ترجمة. أما الإيقاعات الإفريقية فتأخذك إلي عنان السماء ثم تلقيك علي الأرض مرة بقوة فتكسر عظمك, ومرة أخري تهدأ تدريجيا فتشعرك برغبة جامحة في النعاس. مشاهد الصيد, والقنص, والقتال هي الغالبة علي العروض باستثناء فقرة مالاوي وكانت عبارة عن قسمين: الجنود الشجعان في ساحة الحرب تحت قيادة المستعمر البريطاني, والثانية الجنود الشجعان بين أسرهم يحكون لهم ما حدث في ساحة المعركة. ثم كسرت الفرقة الكينية الرتابة بعرض غنائي جيد الإعداد لدرجة تثير الدهشة, فأنت أمام12 مغنيا وعازف إيقاع واحد يغنون في تناغم فريد, مع تغيير مستوي الصوت كثيرا كأنك وضعتهم جميعا علي أجهزة ضبط إليكترونية متطورة( ولم يكن هناك ميكروفون واحد). ثم يندفع قسم منهم إلي منتصف خشبة العرض في حركات تعبيرية قوية فينسحب عازف الإيقاع بسرعة للمشاركة في الرقص فيحل محله أحد المغنين في الصف الرئيسي وهكذا.. وشاركت ناميبيا بفريقها الأشهر وكانت راقصاته كاشفات الصدور تماما فقدمن عرضا يظهر الريف فتشعر أنك أكلت مما طبخن وشاركت في السامر, واستمعت إلي بعض أحاديث النساء والرجال.... رائحة أعضاء الفرقة كانت نفاذة إلي حد ما وليس في هذا إساءة لأحد كما أفهمتني موانيكا مرافقة الفنانين المصريين. ففي تلك البلاد البكر يحتالون علي الطبيعة بالطبيعة فيستخدمون أنواعا معينة من المستحضرات البدائية للوقاية من حر الشمس, ومواجهة الضواري في البرية فتذهب إلي حال سبيلها..!!. ودخلت الفرقتان المصريتان الواحدة تلو الأخري. الإيقاعات بدت غريبة علي جميع المشاركين وأصوات المزمار البلدي غير معتادة وإن كانت شديدة الرقة بالنسبة لهم. أحس أعضاء الفرق بأن العرض المصري المزدوج جاء فعلا من الشمال: حيث الأراضي المستوية, والمياه الهادئة, ولا وجود للضواري الطائرة والزاحفة أو للطرائد من البشر والحيوانات الأخري. ولكن الإيقاع هو الإيقاع. اهتزت راقصات الفرق الأخري علي وقع الطبول المصرية بأنواعها لدي الفرقتين بينما فتحت موجات التصفيق آفاقا جديدة من الحماسة لدي35 فنانا وفنانة مصرية. في مساء اليوم نفسه انتقلت جميع الفرق إلي القاعة المغطاة للإعادة والترتيب والاتفاق علي جهات الدخول والخروج إلي العرض بعد أن وضعت اللجنة المنظمة تصورا دقيقا للعرض الكبير المرتقب صباح اليوم التالي مباشرة. بحضور رئيس الدولة روبيه باندا وقرينته ونائبيه الأول والثاني, وأعضاء السلك الدبلوماسي في لوساكا, وكبار ضباط القوات المسلحة بدأ العرض الكبير في أرض المعارض صباح الثلاثاء, وهنا أجاد المصريون وأبدعوا واستحقوا كل الثناء. وبدت مشاعر الامتنان والحب واضحة من المسئولين عن تنظيم المهرجان الرابع لرقصات الحرية: الامتنان لمن جاءوا من أقصي الشمال والحب لأنهم يشاركونهم فرحتهم بالعيد الكبير عيد الاستقلال. تجيد فرقة العريش للفنون الشعبية أكثر من20 اسكتشا مختلفا ترسم من خلالها بالموسيقي والرقص الحياة البدوية في سيناء. مخرج الفرقة عاطف عبد الحميد يفر من العريش إلي الصعيد المصري أحيانا طلبا لمزيد من التراث التلقائي المصري ليطعم به هذه العروض, أما الراقصات الشابات الثلاث فيقدمن عرضهن باحتراف ودونما أدني ابتذال, مع ملاحظة أن هز الوسط ممنوع تماما فأنت أمام فتيات البادية وليس فنانات للرقص الشرقي. قدمت الفرقة عرضا وراء الآخر صباحا ومساء لمدة أربعة أيام متصلة. وتراهم في حالة من الإجهاد الشديد وما إن يعلن بوب موكوشا اسم الفرقة يقفزون إلي خشبة العرض وكأنهم جاءوا من مخادعهم بعد قسط هائل من الراحة وهو ما لم يحدث علي الإطلاق. أما حميد مغني البادية السيناوية الأصيل فكان كالساحر أحيانا: كلمة أو كلمتان لهذا الشاب أو ذلك الزميل تكفي عن محاضرة طويلة فيعود إلي الفورمة ويحسن من أدائه. خلبت الفرقة ألباب الحضور في إحدي الأمسيات بعد أن قرر الأعضاء تقديم العرس السيناوي. يدخل راقصان بصحبتهما العريس وفجأة يظهر الحلاق الأعمي( الفنان الأسواني جامع) لتجهيز العريس. وكلما خلع العريس قطعة من ملابسه, ضجت قاعة العرض بالتصفيق والهتاف في انتظار المزيد. ثم تدخل العروس وهكذا. أما فرقة الطبول النوبية فقدمت إيقاعات هجينة من أرض النوبة ووادي النيل بمصاحبة المزمار البلدي والناي بأنواعه والطبول الأصغر حجما كثيرا من طبول الأشقاء الأفارقة المخيفة. لم تستطع الفرقة أن تقدم أفضل ما لديها لأسباب إدارية بحتة..!!. ولكن الشاب هاني راقص التنورة كان يجيد, ثم يحسن, ويغير, فتراه شخصا جديدا كل ساعة. وفي كل مرة ينهي فقرته, تودعه عاصفة من التصفيق حتي يغيب وراء أقرب كالوس. إفريقيا الجميلة البكر مستودع الخيرات للعالم ولمصر تحتاج أسبوعا ثقافيا في كل دولة كل شهر وفي كل مناسبة, علنا نستعيد سمعتنا ونفوذنا الكبير الضائع.