عندما أطاحت فضيحة جنسية بكل من وزير الدولة الهولندي لشئون الدفاع جاك دي فريس وزعيم حزب الشعب الجمهوري في تركيا دنيز خلال شهر مايو المنصرم, كانت شائعة الخيانة الزوجية في قصر الإليزيه قيد التداول علي نطاق واسع. ولأن الصورة ليست كالكلام, فقد أجهز الفيديو الذي بثه موقع أصولي إسلامي تركي علي شبكة الإنترنت علي المستقبل السياسي لزعيم الحزب العلماني المتشدد الذي أسسه كمال أتاتورك, في الوقت الذي مازال الرئيس نيكولا ساركوزي يسعي إلي الإجهاز علي مروجي الشائعة الكلامية عن علاقته مع الوزيرة شانتال جوانو, وعلاقة زوجته كارلا بروني مع صديقها القديم المغني بنجامين بيولاي. أما الوزير الهولندي دي فريس فقد آثر السلامة فاستقال من منصبه الوزاري وانسحب من الانتخابات البرلمانية التي ستجري يوم9 يونيو المقبل فور إعلان محطة( ار.تي.ال) التليفزيونية عن علاقته منع مساعدته ميليسا دي خودة وغضب زوجته التي طردته من منزلهما. وكان دي فريس هو الوحيد, في هذه الحالات الثلاث, الذي سعي منذ اللحظة الأولي إلي عدم تسييس التقرير التليفزيوني الذي فضحه. وأبدي بذلك حرصا فائقا علي سمعة حزبه( الديمقراطي المسيحي), الذي يقدم نفسه باعتباره مدافعا عن القيم الأخلاقية والروابط الأسرية, عشية الانتخابات البرلمانية. ولذلك سرعان ما سحبت فضيحته الجنسية من التداول الإعلامي, بخلاف فضيحة الزعيم التركي المعارض. فلم تضع استقالته من زعامة حزبه حدا للجدل الذي اتسعت حلقاته وانتقل من ملابسات الفضيحة نفسها إلي محاولة تفسيرها. فإلي جانب اتهام خصمه الرئيس وهو حزب العدالة والتنمية الحاكم بأنه وقف وراءها, علي أساس أن الموقع الالكتروني الأصولي هابرفاكتيم هو الذي كشفها, ذهبت اجتهادات أخري إلي تحميل الصراع الداخلي في حزبه( الشعب الجمهوري) المسئولية. وقيل في هذا السياق إن خصوم بايكال داخل حزبه هم الذين دسوا الكاميرا وصوروه وصديقته نسرين بانيوك وهما يتجولان في أرجاء غرفة شبه عاريين, وأرسلوا الفيديو إلي الموقع الأصولي الذي بثه علي مدي تسع دقائق تحت عنوان( مغامرات حزب الشعب الجمهوري الجنسية). كما ذهب اجتهاد آخر, ولكنه في هذا الاتجاه نفسه, إلي أن القوي العلمانية في الجيش هي المستفيد الأول من إبعاد بايكال حتي يمكن اختيار زعيم أقوي للحزب الذي تراهن عليه هذه القوي لمواجهة الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية القادمة. وبالرغم من أن حالة ساركوزي مختلفة تماما لأنها تتعلق بشائعة غير قابلة للإثبات, فقد حظيت بتداول إعلامي لا سابق له حتي في حال الفضائح الحقيقية. بدأت الشائعة في مدونة علي الإنترنت, وانتشرت من موقع الكتروني إلي آخر, قبل أن تتناقلها صحف عالمية ثم فرنسية في النهاية. وكان طبيعيا أن يؤدي هذا الانتشار غير الطبيعي لشائعة غير مؤكدة إلي ارتباك في أوساط الرئاسة الفرنسية. فقد اتهم بعض مستشاري ساركوزي وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي بأنها وراء الشائعة, بينما نفت زوجته كارلا بروني هذا الاتهام, في الوقت الذي أمر الرئيس بفتح تحقيق رسمي في الموضوع. والطريف في هذه الحالة أن التفسير السياسي الأكثر رواجا لانتشار هذه الشائعة يقول إن أنصار ساركوزي هم الذين اختلقوها لتغطية الاخفاقات التي مني بها والمشاكل المتزايدة التي تضعف فرصته في الحصول علي ولاية ثانية. فقد انتشرت الشائعة عقب هزيمة حزبه في الانتخابات البلدية, في الوقت الذي أظهرت استطلاعات متكررة أن أغلبية الفرنسيين يفضلون عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية. كما تزامن رواجها مع إعلان رئيس الوزراء السابق دومينيك دي فيليبان عزمه تأسيس حزب سياسي جديد لتحدي ساركوزي في الانتخابات القادمة. غير أن هذا التفسير يبدو غريبا لأنه من الصعب أن يختلق المرء فضيحة جنسية له ولزوجته في آن معا مهما كان هدفه. كما أنه يبدو متعارضا, من حيث الظاهر علي الأقل, مع ما هو شائع عن العلاقة الحميمة بينهما, علي النحو الذي تناوله الصحفي الأمريكي جوناثان التر وورد في كتاب جديد صدر قبل أيام وفي ذروة انتشار الشائعة بعنوان الوعد, وكشف فيه تفاصيل عن هذه العلاقة. ومما رواه, وأثار جدلا, أن ساركوزي وكارلا تأخرا علي موعد مع ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وتركاه ينتظرهما إلي أن انتهيا من تمضية وقت حميم معا. والملاحظ, لدي تأمل هذه الحالات الثلاث, أن الروايات المتعلقة بعلاقات جنسية يتورط فيها سياسيون أو يتهمون بإقامتها تنتشر وتلقي رواجا بمقدار من تحدثه ما أثر سياسي. ولذلك تضاءل الاهتمام بقصة العلاقة بين وزير الدولة الهولندي لشئون الدفاع ومساعدته حين وضعت استقالته السريعة حدا لتداعياتها السياسية, بخلاف الشائعة التي طالت الرئيس الفرنسي وزوجته والفضيحة التي تورط فيها زعيم حزب الشعب الجمهوري في تركيا. يرتبط مدي الأثر السياسي لفضيحة جنسية بوجود مناخ عام يتيح إمكانية كشف هذه الفضيحة ووضعها موضع التداول العام. فالشفافية وحرية الإعلام هما شرطان لازمان في هذا المجال. ولذلك فالسؤال المهم هنا هو: هل يعني ذلك أن الأثر السياسي لعلاقة جنسية غير مشروعة يتورط فيها سياسيون مقصور علي أن البلاد تعرف نظاما ديمقراطيا مفتوحا؟ ربما كانت هذه هي الحال حتي سنوات قليلة مضت قبل أن تبلغ ثورة الاتصالات مبلغها الراهن. فكان ممكنا, قبل هذه الثورة, أن تبقي العلاقات الجنسية السرية لحكام وقادة سياسيين في دول شمولية وراء جدران القصور, ثم يكشف النقاب عنها بعد سنوات طويلة. وربما كان آخر من كشفت تفاصيل علاقاته الغرامية من بين هؤلاء هو الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين في الكتاب الذي صدر عنه عام2003 بعنوان( ستالين محكمة القيصر الأحمر) للكاتب سيمون مونتيفو. فبالرغم من أن ستالين كرس حياته لتعزيز سلطته الدموية, تحت شعار الدفاع عن الثورة الاشتراكية, فكثيرات اقتربن منه وكان بعضهن له عشيقات. ويروي أن زوجته الثانية ناديا عليلوييف انتحرت عا م1932 بسبب علاقاته هذه التي لم تظهر تفاصيلها إلا في السنوات الأخيرة. ولذلك أصبح علي السياسي أن يلتزم أقصي الحذر في عصر ثورة الاتصالات, وبات علي كل شخص عام أن يدرك أنه ليس في مأمن مما قد يأمن له العوام.