قبل بضع سنوات زار الإسكندرية الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق بدعوة من الدكتور محمد عبداللاه رئيس جامعة الإسكندرية الأسبق, وقد حضرت محاضرته بالإسكندرية. كما كان ضيفي في برنامج المنتدي الاقتصادي الذي كنت أقدمه علي شاشة القناة الأولي. آنذاك قال لي الدكتور محمد عبداللاه لقد استقبلت مهاتير محمد في المطار لأصطحبه إلي الفندق الذي سوف يقيم فيه, وتعمدت ان تمر السيارة بكورنيش الإسكندرية مزهوا بالتطور الذي تم فيه وأخذت والحديث للدكتور عبداللاه أتحدث عن هذا الكورنيش وتطويره والاسكندرية عروس البحر المتوسط. وفجأة قاطعني مهاتير محمد متسائلا: كيف يمكن ان يعبر الناس هذا الكورنيش؟ وأضاف أنني لو كنت مستثمرا فلا يمكن أن أقوم بالاستثمار في هذه المدينة التي لا تعرف كيف يعبر فيها المشاه الطريق. قفزت هذه القصة رغم مرور السنوات إلي ذهني عندما حدثت أمامي حادثة من الصعب أن تضيع من ذاكرتي. كان ذلك في الثامنة والنصف مساء الجمعة7 مايو الماضي علي كورنيش الإسكندرية أمام الفندق العملاق سان ستيفانو بما يحويه من مول يضم أحدث الماركات العالمية ومطاعم ومقاهي وكذلك شقق تتجاوز قيمة الواحدة منها5 ملايين جنيه علي الأقل وغرف في الفندق قيمة أقل ليلة بها لا تقل عن1500 جنيه. دون أن يفكر الفندق العملاق في انشاء نفق تحت الكورنيش امامه لعبور المشاة وزائريه ورواده. كانت الأمور عادية الناس تشم الهواء علي الكورنيش والسيارات تجري في الاتجاهين ورواد المبني العملاق المتلألئ يملأون أركانه المختلفة وفجأ ة سمعت صوت صراخ من فتاتين كانتا تحاولان عبور الطريق بعدما انتهزتا فرصة هدوء مرور السيارات فإذا بسيارة تاكسي الإسكندرية تطيح وتلقي بهما علي رصيف منتصف الطريق غارقتين في دمائهما. كان المشهد مأساويا مؤثرا. هل هناك ارتباط بين ماقاله مهاتير محمد منذ سنوات وبين ما يحدث علي كورنيش الاسكندرية كل يوم من عمليات تكسير عظام الأبرياء؟ نعم فمن غير المعقول ان يتكلف تطوير كورنيش الإسكندرية الملايين.. دون أن يكون هناك أي اهتمام بمن يحاول عبور كورنيش الإسكندرية, وإلا فإن مصيره تحت عجلات السيارات. هل هناك نموذج لسوء التخطيط والتخطيط السييء أكثر من أن هذا العمل الكبير لم يأخذ في اعتباره ان هناك بشرا سوف يعبرون الطريق إلي البلاجات علي الساحل؟ أين حقوق المشاة والتي يجب من الآن أن نتبني ضمها إلي قائمة حقوق الإنسان. صحيح هناك انفاق للمشاة علي الكورنيش ولكن بين الواحد والآخر مسافة لا تقل عن2 كم فكيف إذن بين هذا وذاك يعبر الناس الطريق؟ أننا في تصورنا ان المسألة لا تحتاج إلي انفاق وكباري ولكن دعونا نلجأ إلي الوسائل غير التقليدية وربما البدائية, ان طول الكورنيش يبلغ حوالي18 كم لماذا لا تستخدم المحافظة افراد إحدي شركات الأمن الخاصة في توزيع أفراد أمن كل400 متر مثلا علي الجانبين يقومون بإيقاف السيارات والسماح بمرور المشاه, أو عودة السيطرة المرورية لكونستابلات الكورنيش( زي زمان). ألا تستحق أرواح هؤلاء الأبرياء وحياتهم وسلامتهم مثل هذا الاهتمام وممارسة رجال المرور دورا في تنظيم المشاه ؟. إننا ننتظر حلا عا جلا من محافظ الإسكندرية وهو قادر علي ذلك ومعه خبراء الطرق والمرور, أم أن الأمر يستدعي تصعيده ليحتل مكانا علي أجندة السيد الرئيس حين تعجز الأجهزة التنفيذية عن حل أبسط المشاكل. والإسكندرية أصبحت بالنسبة لي مدينة مؤتمرات فحسب. فقد ساقني اليها مؤتمر يبحث عن اصلاح البنية التشريعية وذلك لتحسين مناخ الاستثمار والأعمال, وقد لفت نظري عندما اصطحبني أحد العاملين ليشرح لي الطريق إلي غرفتي وفي اثناء حديثه قال لدينا شاطيء خاص يمكن الوصول اليه من خلال ميني باص( ميكروباص) خاص بالفندق, غير أن الأمر الغريب ان هذا الشاطيء يقع في مواجهة الفندق مباشرة, إلا أن الوصول اليه عبر الكورنيش عبورا أو مشيا يعد من المستحيلات ولهذا خصص الفندق باصات صغيرة لهذا الغرض, وهي بالتالي تساهم في زحام الكورنيش وتمشي مسافة طويلة وتعودها مرة أخري لمجرد توصيل زبون لا يستطيع عبور الكورنيش لعدم وجود أي ممرات أو كباري أو انفاق لهذا الغرض. نعود إلي موضوع المؤتمر الذي دعي اليه المجلس الوطني المصري للتنافسية بالمشاركة مع إرادة وهي المبادرة المصرية لاصلاح مناخ الاستثمار, وهي تباشر نشاطها في مصر منذ نحو عامين ومهمتها الأساسية تجميع الأدوات التشريعية. وقد بلغ ما تم حصره حتي الآن نحو500 ألف( أي نصف مليون أداة تشريعية بين قانون وقرار) تحكم حياتنا في كل صغيرة وكبيرة, فهي بعبارة أخري تمثل غابة من التشريع في غابة التنفيذ لدرجة أن بعضها تم إلغاؤه ولكن أحدا لا يعلم شيئا عن هذا الإلغاء ويتم تطبيق ما تم إلغاؤه. ومما كشف عنه المؤتمر أن ما تم حصره من تشريعات تخص وزارة النقل يبلغ31 ألف تشريع منها مثلا443 قرارا ينظم تعريفة خدمات النقل بمختلف أنواعه. أما وزارة الاسكان فقد تم حصر50 ألف تشريع يخصها للآن. والسؤال الذي طرح نفسه مامدي إتاحة ونشر تلك القوانين. والقرارات كانت المفاجأة ان الستينيات والسبعينيات شهدت النشر بنسبة100% أما في عام2010 فقد هبطت النسبة في مجملها إلي40%, كما يلاحظ عدم وجود مصدر شامل دقيق مكتمل للأدوات التشريعية, وعدم وجود بيان واضح بالأدوات التشريعية السارية وتعدد الجهات المسئولة عن إصدارها وتطبيقها نتيجة تداخل الاختصاصات بين الجهات المختلفة وعدم اصدار لوائح تنفيذية لعدد من القوانين مما يعطل تطبيق القانون فمثلا هناك1200 قانون نظم قطاع الأعمال منها901 قانون تبحث عن لوائح تنفيذية لها. إذن ما هي نتيجة هده الغابة والتداخل التشريعي؟ هناك تكلفة يتحملها المجتمع تتمثل في استثمارات ضائعة وعبء إداري علي مجتمع الأعمال وارتفاع تكلفة الخدمات, أما بالنسبة للدولة فهي إيرادات مفقودة وضائعة..وقبل ذلك وبعده متاهات للمواطن للحصول علي حقه وبغير إصلاح البنية التشريعية فإن عملية الاصلاح الاقتصادي والإداري تصبح فاعليتها محدودة. [email protected] المزيد من مقالات عصام رفعت