كما أن الحدود السياسية لم تمنع التواصل والاندماج بين الدول والشعوب فإنها أيضا لم توقف خلافات ونزاعات الجيران, بل كانت, وستظل, مصدرا لتلك الخلافات. الكبار والصغار, الأغنياء والفقراء, المتقدمون والمتخلفون في عالمنا كلهم تشاجروا منذ أمد بعيد وستستمر خلافاتهم عبر الحدود الدولية, التي تقول دوائر المعارف إن طولها250 ألف كيلو متر برا عبر322 خطا تفصل بين194 دولة و71 إقليما وكيانا مستقلا أو تابعا. بالإضافة إلي430 خط حدود بحريا. وعبر التاريخ كانت الخلافات الحدودية تنتهي إما سلما, أو بالقوة, أو تبقي بلا حل كأمر واقع. وتجربة الولاياتالمتحدة تجسد الحالات الثلاث. لديها خلافات عالقة مع جارتها الشمالية وحليفتها المقربة كندا. وبينهما أطول حدود غير مسلحة في العالم تمتد8891 كيلومترا بما فيها الحدود البحرية. ويتركز النزاع بين البلدين في4 مناطق بحرية هي ممر ديكسون بالمحيط الهادي, وبحر بيو فورت وهو امتداد للمحيط المتجمد, ومضيق جوان دي فوكا, وأخيرا خليج مين الذي أصدرت محكمة العدل الدولية حكما لترسيم الحدود فيه عام.1984 أما مسألة الحدود الأمريكيةالمكسيكية فهي تجسد احد أكثر فصول تاريخ الصراعات الدولية إثارة وتكريسا للأمر الواقع مهما يكن ظالما. القصة المعروفة ترجع لعام1835 عندما تمردت ولاية تكساس المكسيكية في ذلك الوقت وأعلنت انفصالها ثم انضمت بعد ذلك للولايات المتحدة, التي لم تكتف بهذه الغنيمة المجانية ولكنها أعلنت أن حدود الولاية كانت عند نهر ريو جراندي داخل المكسيك. وفي13 مايو1846 أعلن الكونجرس الحرب علي المكسيك واستمرت نحو عامين انتهت بهزيمة الجارة الجنوبية واحتلال عاصمتها ميكسيكو سيتي. بعد استسلام المكسيك وقعت معاهدة مهينة في فبراير1848 وبمقتضاها باعت للولايات المتحدة نحو ثلث الأراضي المكسيكية بقيمة15 مليون دولار. وتشمل هذه المساحات الشاسعة ولايات كاليفورنيا ونيفادا ويوتا ومعظم أراضي اريزونا ونيومكسيكو وجزءا من مساحة كولورادو وويومنج. أما قصة الخلاف مع كوبا حول قاعدة جوانتانامو فتختلف في جانب واحد هو أنها آلت لواشنطن بالتأجير وليس بالشراء. وعقد الإيجار موقع في معاهدة1903 والتي أعيد التصديق عليها في معاهدة1934 وبمقتضاها زادت القيمة الإيجارية من ألفي دولار ذهب سنويا إلي ما يوازي4085 دولارا. وتنص علي عدم جواز فسخ العقد إلا برضا الطرفين أو تخلي أمريكا عن المكان. أمريكا ليست الدولة الكبري الوحيدة التي لديها نزاعات حدودية مع جيرانها. الدول الأربع الأخري تواجه نفس المشكلة. روسيا لديها خلافات مع اليابان وجورجيا وأوكرانيا والنرويج والصين. وتلك الأخيرة نزاعاتها تشمل الهند وماليزيا وفيتنام واليابان وكوريا الشمالية وتطالب بتايوان. بريطانيا خلافاتها معروفة مع الأرجنتين حول جزر فوكلاند وخلاف بحري مع النرويج تشاركهما فيه أيسلندا وأيرلندا, بالإضافة إلي وضع جبل طارق. ولفرنسا خلافات مع الدول الصغيرة حول بقايا مستعمراتها البحرية. ويبدو انه من الصعب العثور علي منطقة في العالم بلا نوع أو آخر من الخلافات والنزاعات الحدودية. إلا أن معظمها خامد بفعل الزمن أو طغيان القوة أو غلبة المصالح. ولكنها تظل شيطانا نائما لعن الله من يوقظه.