حتي لا يرتبط ضياع الفرص بالمنطقة العربية, أري أن الاقتراح الخاص بإنشاء رابطة الجوار العربي التي تضم نحو40 دولة, هو من الاقتراحات المهمة التي يتعين الأخذ بها, ووضعها موضع التنفيذ. بل واعتبارها الرد الطبيعي علي المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يهدف إلي إقامة شرق أوسط جديد والثابت عملا أننا نعيش جملة من المتغيرات بعيد الحرب الباردة, جعلت الكثيرين يشعرون أنهم يعيشون في أرض جديدة, وتحت سماء لم يعهدوها من قبل, فلا معني للدول فرادي, دائما أصبحت القيمة( والخوف والرهبة) تتجه إلي التجمعات الدولية, ولعل المثال الصارخ علي ذلك الولاياتالمتحدة التي وقر في أذهان سياسييها أنها أمة ليست في حاجة إلي العالم, باعتبار أنها مكتفية بذاتها, وبرغم ذلك تحرص علي تشكيل التجمعات والوقوف علي رأسها, وتجربة حلف الناتو والإصرار علي بقائه بعد زوال الاتحاد السوفيتي, وقيادة الولاياتالمتحدة له, هو أكبر مثال علي أهمية هذه التكتلات, وكذلك تجمع الدول الصناعية الثماني الكبري التي تسمي نفسها مجلس إدارة العالم, نجد أمريكا قد قفزت لتقود الدفة فيه, بل هناك من يتحدث عن رغبة أمريكا في أن تنضم إلي الاتحاد الأوروبي بصفة مراقب, وإذا أضفنا إلي ذلك التجمعات أو التكتلات الأخري مثل الكوميسا, ومنتدي الآسيان, وسياسة الجوار الأوروبية, والاتحاد من أجل المتوسط, ومجموعة(5+5), لتبين لنا أن عالم اليوم لم يعد يؤمن إلا بهذه التكتلات, لذلك فإن فكرة إنشاء رابطة الجوار العربي جاءت بهذا المعني وفي إطار هذه المتغيرات متأخرة, لكن ليس هناك ما يمنع من الأخذ بالحكمة التي تقول: أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي. ولا معني للقول إن رابطة الجوار العربي سوف تلغي جامعة الدول العربية, ليس فقط لأن روابط أوروبية أخري مثل عملية برشلونة و(5+5), والاتحاد من أجل المتوسط لم تلغ الاتحاد الأوروبي, ولكن أيضا لأن فكرة هذه الرابطة أطلت برأسها لأول مرة من بين أحضان جامعة الدول العربية, بل إن الاقتراح الذي تقدم به السيد عمرو موسي الخاص بهذه الرابطة يتحدث طوال الوقت عن الجامعة باعتبارها الحاضنة الطبيعية لها, فمقر الجامعة العربية بالقاهرة سيكون المقر الرئيسي لاجتماعات الرابطة, كما أن الجامعة ستتولي الإعداد للاجتماعات, لأن جزءا من ميزانية الرابطة ستقدمه الجامعة طواعية, وهذا يعني أن جامعة الدول العربية ستبقي المرجعية الأولي لأي تجمع عربي جزئي أو كلي, وكلنا يذكر أن الاتحاد من أجل المتوسط كان قد تقدم به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأصبح بعد تدخل المستشارة الألمانية ميركل يضم كل الدول الأعضاء ال27 في الاتحاد الأوروبي وليس فقط الدول المشاطئة للبحر المتوسط, ولم يؤثر ذلك علي فلسفة الفكرة الفرنسية التي ترمي كما تعرف إلي تحقيق شيئين: الأول إفساح المجال رحبا أمام فرنسا لكي تلعب دورا عالميا, والثاني تأطير التطبيع بين العرب وإسرائيل, وأخشي بحق أن نتعامل بشيء من خفة واستهتار مع فكرة الرابطة مثلما حدث مع أفكار سابقة, فكلنا يذكر أن فكرة إحداث تقارب بين العرب وأمريكا اللاتينية قد لمعت ذات يوم في عقل الرئيس البرازيلي وجري الاجتماع الأول في شكل رث يبعث علي الحزن, لأن القيادات العربية التي مثلت المنطقة كانت قليلة العدد, ومتدنية التمثيل, لذلك ضاعت هذه الفكرة, بل كادت أن تدفن في لحظة ولادتها. الفكرة الثانية صدرت من الجامعة العربية وكانت تتحدث عن إقامة حوار عربي فارسي أو إيراني باعتبار أن إيران دولة إسلامية كبري, وهي دولة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط, والأهم أنها ترتبط بعدد من الدول العربية عبر التخوم والحدود, بل وتحتل أراضي عربية هي الجزر الإماراتية الثلاث( طنب الكبري, وطنب الصغري, وأبوموسي), ومن ثم فالحوار معها أجدي من الخصام أو محاولات الاستعداء, ولقد أسهب أمين عام الجامعة العربية في شرح هذه الفكرة, لكنها قوبلت بقدر كبير من الاستخفاف, لذلك ضاعت مع ما ضاع من أفكار صادقة لا تبغي سوي الأمن والاستقرار للمنطقة, والنهضة والرخاء لشعوبها, لذلك يضع الكثيرون أيديهم علي قلوبهم خوفا من أن تلقي فكرة إنشاء رابطة الجوار العربي نفس المصير! وليس خافيا علي أحد أن رابطة الجوار ستضم إلي جانب الدول العربية ال22 نحو18 دولة أخري تتوزع جغرافيا بين آسيا وإفريقيا تأتي من بينها إيران وتركيا وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا والسنغال ثم مالطا وقبرص, وهما دولتان متوسطتان, وتمتد الرابطة لتعانق جنوب أوروبا بإفساح المجال أمام انضمام إسبانياوفرنسا وإيطاليا. والرابطة في كل الأحوال تمديد الصداقة والمشاركة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وهذه الدول, وتشكل فضاء دوليا سوف يعمل له ألف حساب, سواء لكثافته السكانية, أو للقوة الاقتصادية التي سوف يمثلها, والأهم أن الثقل السياسي للرابطة سيجد لنفسه مكانا داخل الدوائر الضيقة لصنع القرار الدولي. ومن المهم أن نتذكر أن مثل هذه الرابطة( رابطة الجوار العربي) سوف تكون حجر عثرة في طريق التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء, والذي لا يستطيع أحد إنكار أن العبث الإسرائيلي في إفريقيا, الذي فضحته الخلافات التي ظهرت أخيرا بين دول حوض النيل, ما كان له أن يحدث لو كانت هناك رابطة للجوار العربي. الشيء الأهم هو أن هذه الرابطة ليست بدعا في مجال العلاقات الإقليمية والدولية, فهناك منتديات ولقاءات تجري بشكل ثنائي مع دول مثل الصين, واليابان, والهند, وروسيا, وربما الجديد هو أن تتشكل رابطة لها طابع استراتيجي, وأن القمة العربية المقبلة سوف تبحثها تمهيدا لإقرارها. جدير بالذكر أن هذه الرابطة تستثني من الانضمام إليها دولتان: الأولي إسرائيل, والثانية إريتريا, وبحسب المذكرة التي وضعتها جامعة الدول العربية فإن الطريق أمام هاتين الدولتين لن يظل مسدودا إلي الأبد, فشرط انضمام إسرائيل هو أن تتخلي عن اقتناعها بأنها دولة فوق القانون, وعليها أن تقبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة, ثم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في5 يونيو1967 بما فيها القدسالشرقية, أما إريتريا فمشاركتها مشروطة بتهدئة الأمور في القرن الإفريقي, وعليها أن تضع خلافها مع جيبوتي علي طريق الحل. وليس من شك في أن إيران هي الأخري ستظل مشاركتها في رابطة الجوار العربي رهنا بالتفاهم علي تعامل مختلف مع القضايا العربية العالقة معها, يبقي أخيرا أن نقول إن رابطة الجوار العربي فكرة ذات طابع استراتيجي, من أجل المستقبل العربي, ويتعين التعامل معها بالجدية هوامش * عودة تركيا لجنوبها أو لعمقها الإسلامي ليس فيه ما يثير القلق, يتعين توظيف ذلك باتجاه رابطة الجوار العربي. * أصابت الحكومة المصرية عندما اقترحت قصر تطبيق قانون الطوارئ علي الإرهاب, والمخدرات, وبالقطع سيكون هذا الإجراء هو آخر تمديد. * الدمايطة غاضبون لأن هناك أحد الوزراء قد ادعي أنه صاحب فكرة تحويل كوبري دمياط إلي متحف عائم.. ويؤكدون أنهم أصحاب الفكرة والتنفيذ مع محافظهم د. فتحي البرادعي. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي