جوائز الدولة تتزايد في مصر سنة بعد أخري, وقد انتقلت من الاطار الرسمي إلي الإطار الأهلي وهي ظاهرة إيجابية تحاول التخفيف من معاناة شريحة كبيرة من الأدباء الموهوبين الذين أثروا المكتبة العربية بروائع ابداعاتهم الأدبية في الشعر والنقد والقص. ويتعين فتح الآفاق أمامها حتي تواصل عملها النبيل في تغذية الوجدان والانتصار لقيم الحق والخير والجمال والحرية, لكن المصارحة والموضوعية تقتضي ان نناقش بعض الملاحظات الجديرة بالاهتمام التي أبداها الصفوة من المفكرين والمثقفين المصريين في شأن هذه الجوائز التي تمنحها الدولة ممثلة في وزارة الثقافة باعتبارها الجهة الرسمية التي تحظي بتقدير المفكرين والمبدعين عموما, وأن فوز كل مبدع بإحدي جوائزها كل عام هو وسام علي صدره وشهادة من أعلي جهة ثقافية في مصر والوطن العربي بمكانته الرفيعة التي استحق بسببها هذه الجائزة. وقد تلقيت دعوة الاسبوع الماضي لحضور المناقشة الساخنة حول هذه القضية المهمة التي شارك فيها نخبة من المفكرين والأدباء والإعلاميين في المجالس القومية المتخصصة برئاسة السيد كمال الشاذلي المشرف العام علي هذه المجالس وأدارها د.حسين نصار مقرر المجلس القومي للنقاد والفنون والاعلام مشيرا في البداية كواحد من الذين عاصروا بدايات هذه الجوائز وما يثار حولها من مشكلات إلي ان التراث الهائل من الشعر والأدب والفنون عامة ما كان يري النور لولا اهتمام الدولة بهؤلاء المبدعين ووضعهم علي خريطة التقدير التي تقدمها لهم الدولة كل عام ومع ذلك فقد كشفت هذه التجربة الطويلة ومن خلال المتابعة الموضوعية لهذه الجوائز عن بعض الجوانب المهمة ايجابا وسلبا أثارها الخبراء في هذه الجلسة المهمة, نعرض بعضها بهدف عرضها علي المسئولين والقائمين عليها مع بعض المقترحات التي أثيرت أيضا لتصويب مسار هذه الجوائز في المستقبل وتعليقنا عليها وذلك علي النحو التالي. إن أعضاء المجلس يناقشون خلال عدة ساعات الاسماء المراد اختيارها من بين فئات المتقدمين لجوائز التفوق في ثلاث مجالات لكل جائزة مع العلم بأن المتقدمين لجوائز التفوق الثلاث وحدها لا يقل عن مائة وخمسين مرشحا وان المتقدمين للجائزة التقديرية لا يقلون عن خمسين وهو غير معقول. ان أعضاء المجلس جميعا متعددو الاهتمامات والتخصصات وهم يصوتون علي اختبار الفائزين في الأفرع المختلفة, في حين أن أكثرهم ليست لهم علاقة وثيقة بانتاج المرشحين أو قيمته العلمية, ولذا فيري الخبراء ان يكون التصويت في هذه الحالة مقتصرا علي الأعضاء المتخصصين في مجال الجوائز المطروحة. ان الجوائز تمنح للفائزين بعد حصولهم علي أكثر من ثلثي أعضاء الحاضرين بصوت واحد, وكثيرا ما يؤدي هذا الاجراء الي حجب الجائزة ويري الخبراء في هذه الحالة أن يحسم التصويت بحصول المرشح علي الأغلبية المطلقة النصف+1= من اجمالي اصوات الحاضرين بالجلسة كما هو متبع في أغلب عمليات التصويت. ان الأوسمة والجوائز والميداليات والشهادات لا تسلم لاصحابها الا بعد انقضاء سنوات طويلة, ويري الخبراء ايضا ان يكون هناك موعد محدد سنويا لتسليم الجوائز وفي حفل لائق بمكانتها ومكانة الفائزين. يطالب الخبراء ونحن معهم بضرورة زيادة هذه الجوائز بحيث تكون جوائز التفوق أربع بدلا من اثنين لكل مجال, فمن غير المعقول أيضا ان يكون عدد الفائزين بالجائزة التقديرية أكثر من الفائزين بجائزة التفوق, وان تتخذ الجوائز شكلا هرميا قمته جائزة مبارك واحدة تليها الجائزة التقديرية اثنان وتحتها جائزة التفوق اربعة ثم التشجيعية وهي القاعدة التي تضم أكبر عدد ممكن تحقيقا للمساواة بين الجوائز, نقطة أخيرة: أتمني ان يبحث المجلس الأعلي للثقافة برئاسة فاروق حسني وزير الثقافة في أقرب اجتماع له هذه الملاحظات التي أيدها خبراء المجلس القومي للثقافة والفنون والاعلام ويضعها موضع التقدير والاهتمام, فقد ينير الكثير منها الطريق لتصويب مسيرة هذه الجوائز المهمة التي ستظل باعتراف العالم العربي كله أرفع وأرقي الجوائز في المنطقة, وأن كثيرا ممن حصلوا علي جوائز عربية من أقطار شقيقة مهما بلغت ضخامة قيمتها المالية, لكنهم لا يشعرون بالتقدير السليم وعلو مكانتهم إلا اذا حصلوا علي الجوائز المصرية فهي التتويج الأمثل لمسيرة المبدعين الحقيقيين.