يقول خبراء العلوم الانسانية إنه يمكن تقسيم المجتمعات البشرية إلي قسمين: مجتمع النهر ومجتمع المطر ومجتمع المطر ديمقراطي بطبعه لأن الذي يكون السحاب ويحرك الرياح وينزل الغيث والمطر هو الله وهو سبحانه وتعالي وحده القادر علي القيام بهذه المهام. أما مجتمع النهر فيحتاج إلي سلطة مركزية قوية وقادرة علي حسن إدارة مياه النهر وعدالة توزيع هذه المياه بين مختلف المستخدمين ومصر المحروسة هي أعتي المجتمعات التي تعيش وتتعايش مع نهر النيل لعشرات القرون إلا أن السنوات الأخيرة داهمت شعب مصر بأحداث جسام جعلته يعيش حالة أقرب ما تكون إلي الانفلات المائي والتسيب بل والفوضي المائية سواء من خارج حدود البلاد أو من داخل هذه الحدود. أسوق هذه القناعة لأدلل علي أن حوض النيل يعيش حالة من الانفلات الذي لم يسبق له مثيل من حيث إقامة العديد من السدود في كافة أرجاء الحوض وتأجير وبيع وزراعة ملايين الهكتارات من الأراضي دون النظر مجرد النظر إلي حقوق الآخرين بل والتأكيد علي أن يكون لكل هذا الفلتان شكل قانوني بالمبادرة إلي توقيع إتفاقية إطارية بين بعض الدول التي ليس من بينها مصر والسودان. وأسوق هذه القناعة أيضا لأدلل علي أن الداخل المصري يعيش حالة من التسيب والفوضي في الاعتداء علي نهر النيل وفقدان الاحترام لحرم هذا النهر العظيم الذي بجله المصريون من العصور السابقة وحجب واجهة النهر عن أنظار المواطنين بإقامة منشآت ونواد للمهندسين والقضاة والشرطة والجيش والمعلمين والأطباء وكافة الهيئات والمؤسسات التي تشملها الدولة. وأسوق هذه القناعة مرة ثالثة لأقرر أن أجهزة الدولة تقف إزاء هذه الفوضي المائية شبه حائرة بين الفعل ورد الفعل وتنتهي بغرابة شديدة إلي حالة من اللا فعل ولا رد للفعل إذ ما يحير حقا أن مصر لم تكن في يوم من الأيام بمثل هذا القدر من الاسترخاء والانبطاح واللا مبالاه خصوصا مع مورد هو بالقطع الأهم والأغلي والأثمن لهذا الجيل من المصريين والأجيال التالية له. أما عن دول حوض النيل التي بات العديد منها يتصرف بلا وعي ولا توقر ولا احترام فأرجو أن يكون معلوما أن لهذه الدول أوجه الضعف التالية: أولا: الفقر الشديد في الموارد الذي يجعل من ثلاثة إلي خمسة منها تصنف علي أنها من أقل دول العالم تنمية وأكثرها فقرا. وتعرض الكثير من هذه الدول لصراعات أهلية دموية يعود السبب فيها إلي التركيبة العرقية والقبلية ودخول البعض منها ضمن أجندة قضايا التنافس والصراع الدولي والإقليمي والخلافات علي الحدود والصراعات الأيديولوجية وعدم عدالة توزيع الثروة وافتقار أنظمة الحكم للشرعية والقانونية. و كذلك التمييز الديني ومحاولات بعض الحكام إقصاء من يخالفهم في العقيدة. ثانيا: احتواء أقاليم بعينها داخل الدولة الواحدة علي ثروات تسمح لها بالانفصال والاستقلال بالأراضي والثروات. والفساد المالي والسياسي وسوء استخدام السلطة في العديد من أجهزة الحكم. والانفلات الأمني وعدم احترام سيادة القانون وانتشار الأحكام القبائلية. ونزوح أعداد كبيرة من اللاجئين من مختلف مناطق النزاعات إلي بعض دول الحوض وعدم قدرة الدول المضيفة علي إحكام السيطرة عليهم وعلي تصرفات البعض منهم. ثالثا: صعود نجم الصين كمنافس سياسي قوي للولايات المتحدةالأمريكية بل والاشتراك الفعلي في خلافات عرقية راسخة مثل الخلاف بين الهوتو والتوتسي, والوقوف إلي جانب فريق بعينه مما أصبح يشكل أصدقاء وأعداء للديناصورين المتنافسين. بالإضافة إلي الوفاة المفاجئة لرئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي وتولي نائبه غير منتخب السلطة وهو بلا شك أقل حنكة وأقل قوة وأقل معرفة بأمور الحياة في حوض النيل. علاوة علي تعرض اقليم الشرق الأفريقي بالكامل لمجموعة من القلاقل التي تتمثل في نزاعات علي الثروة بين السودان ودارفور وبين السودان والجنوب السوداني والصراع بين الصومال وشباب المجاهدين ممن تدعمهم القاعدة وبين اثيوبيا واريتريا علي المدينة الحدودية بادمي وانتخابات كينيا وزيمبابوي التي تحل هذا العام والتي يمكن أن تؤدي إلي حروب أهلية في كلا الدولتين وما يتبع ذلك من آثار إقتصادية مدمرة عليهما كل هذا الإضافة إلي المشاكل العرقية المزمنة في منطقة هضبة البحيرات الاستوائية مما يعرض الكونغو ورواندا وبوروندي إلي قلاقل مستمرة ومتصلة. وعلي ذكر أوجه الضعف عند بعض دول حوض النيل فمن الضروري أن نضع أمام القارئ أوجه القوة عند الشريك المصري أو البعض من هذه الأوجه علي النحو التالي: أن مصر دولة قوية لها ارث تاريخي يحترم ولها مقومات سياسية واقتصادية واجتماعية لا يقلل منها ما حدث وما يحدث في الوقت الحاضر من تبعات قيام ثورة25 يناير.2011 كما أن لمصر العديد من المساهمات في رفع شأن دول حوض النيل وإعلاء قدرها بدءا من المشاركة في حصولها علي الاستقلال وانتهاء كثير من المساعدات المادية والعينية والفنية. ولها مؤسسات قوية وقادرة علي حماية أمنها الغذائي والمائي. أن لدي مصر من العارفين بخبايا وخفايا دول حوض النيل ربما من هم أكثر عددا ومعرفة من مواطني هذه الدول أنفسهم. وأن مصر تملك من الحلول لكافة المشاكل ما لا تملكه أي دولة أخري من دول الحوض أو ممن هم خارج دول الحوض. كما أن القانون الدولي يحمي الحقوق التاريخية للدول التي تحصل من مجري مائي عابر للحدود ولفترة زمنية ممتدة علي حصة من المياه بشكل ظاهر ومستمر ومتسق ويعطيه الحق في التسامح العام الذي لا اعتراض عليه من الدول الأخري المتشاطئة علي نفس النهر. أن لمصر قدرة علي التأثير علي الدول التي تقدم المساعدات لبعض دول الحوض وتحجيم قدر هذه المساعدات إذا لم تستطع الغاءها كلية. وهي قادرة تماما علي ردع كل من تسول له نفسه اساءة استخدام المياه داخل البلاد وكل من يلوث مياه النهر بقصد أو من غير قصد وكل ما تحتاج إليه هو الارادة القوية والادارة الرشيدة. أن لمصر موردا غاية في الأهمية يجب أن يضاف إلي الموازنة المائية هو معالجة الجزء الأكبر من المياه التي تنساب إلي البحر المتوسط, وإعادة استخدامه وأيضا إلي إعذاب أكبر قدر ممكن من الماء الجوفي المسوس الأقل ملوحة من مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. المزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي