لا استطيع أن أصدق أن تشريعا مصريا تحت مسمي قانون تنظيم التظاهر يمكن أن يبيح حق التظاهر للعسكريين في القوات المسلحة ولأفراد الشرطة وأعضاء الهيئات القضائية.. حاولت أن أجد نصا مشابها في أي من قوانين حقوق الانسان أو حقوق التظاهر في أعرق الديمقراطيات, بل وحتي في بلاد أخري تركب الأفيال, فلم أجد ضالتي.! الحكاية ببساطة أنه كان لابد من اصدار تشريع ينظم التظاهرات السلمية التي تدخل في عداد أنشطة الثوار أو الاحتجاجات الفئوية, ويعاقب بالشدة اللازمة الخارجين عن القانون ومثيري الشغب والمأجورين الذين يحولونها الي تظاهرات تخريبية.. وبغض النظر عن الاعتراضات التي وجهتها بعض التيارات السياسية والنقابات العمالية تجاه هذا المشروع الذي تم اعداده في وزارة العدل, فقد كشفت المناقشات داخل لجنةالأمن القومي بمجلس الشوريفي الاسبوع الماضي عن أن مشروع قانون التظاهر يسمح لأفراد الجيش والشرطة والقضاء بالتظاهر مثلهم مثل أي فئة أخري. لا أحد يمكنه تبرير وضع هذا النص في ذلك المشروع بدعاوي حسن النية أو الرغبة في المساواة بين جميع فئات الشعب, أو الحالة الثورية التي يعيشها الجميع والحق في التعبير عن المطالب.. ولكن يمكننا التأكيد علي أن هذا النص جاء بتدبير متقن لتمريره ضمن القانون الجديد لتشيع الفوضي وينهار الوطن.. هكذا في قول واحد. تعالوا نتخيل أن مجموعة من أفراد وضباط القوات المسلحة تتذمر من وضع معين سواء بالحق أو بالباطل.. تخيلوا أن هذه المجموعة قد تحركت لكي تتظاهر مطالبة بما يعتبرونه حقا من حقوقهم طبقا للقانون الجديد.. هل يمكن ان يبقي شيء بعد ذلك من التقاليد العسكرية الراسخة علي مستوي العالم في الانضباط السلوكي والتنفيذ الواجب للأوامر العسكرية؟.. وهل يمكن بعد ذلك أن تستمر القوات المسلحة في تماسكها وقوتها الصلبة التي نعتز بها ونفخر؟.. نفس الأمر بالنسبة لأفراد الشرطة والهيئات القضائية, لتسقط مصر نهائيا ولا تقوم لها قائمة. السؤال هنا: أي عقلية هذه التي ارتكبت هذه الجريمة الشنعاء؟.. والأخطر من ذلك ما صرح به النائب ممدوح رمزي عضو مجلس الشوري ولجنة الأمن القومي لبوابة الأهرام من أنه كان النائب الوحيد باللجنة الذي اعترض علي تلك المادة, وأن باقي النواب المحترمين الذين حضروا أولي مناقشات القانون ظلوا صامتين ولم يعلقوا بالرفض أو القبول, وأنه طالب خلال المناقشات بأن تقدم مطالب أفراد الجيش والشرطة الي قياداتها بالطرق المشروعة وليس عبر التظاهر.. والمثير للدهشة أن المستشار عمر مروان ممثل وزارة العدل وفقا لتصريحات النائب ممدوح رمزي وعده بحذف هذه المادة من مشروع قانون التظاهر.. اذن لماذا وضعتموها من الأساس؟. اطالب باخضاع الرجل الذي وضع هذه المادة للتحقيق القضائي المحايد للتعرف علي مدي نواياه ومن هم هؤلاء الذين أوحوا له بهذه المادة الجهنمية التي كان يمكن أن تمر مرور الكرام لنفاجأ بوضع خطير يهدد الأمن القومي بشكل مباشر ويهدم القواعد الصلبة لأهم ثلاث مؤسسات في الدولة: القوات المسلحة والشرطة والقضاء.والطبيعي أن هذه المادة ليس لها مثيل في أي من القوانين أو الدساتير علي مستوي العالم.. وفي أثناء البحث عنها لم أجد سوي تصريحين أحدهما للسفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين, يؤكد للتليفزيون اليمني أن التظاهر والإعتصام مكفول, وأن علي المحتجين احترام القانون,أما بالنسبة للعسكريين فالأمر يختلف تماما.. فعندما ترتدي الزي العسكري, لم يعد بإمكانك التمتع بتلك الحقوق في التظاهر والمشاركة في المسيرات الاحتجاجية. وفي الواقعة الثانية: قال بيان صادر علي رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي أن قانون العقوبات العسكري يمنع مشاركة منتسبي الجيش الليبي في الإعداد لأي تجمع وأن القانون ينص علي السجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات لكل من جمع عددا من العسكريين بقصد رفع الشكاوي أو المناقشة أو التباحث في أي أمر يتعلق بالجيش الليبي أو النظم العسكرية.. وكان ذلك في مناسبة أن بعض منتسبي وحدات الجيش بطرابلس طالبوا في وقفة احتجاجية بإقالة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي اللواء ركن يوسف المنقوش. وعجبي علي ما يحدث في مصر أم الدنيا المزيد من مقالات محمد السعدنى