أكد لنا الخبراء والمراقبون أن الأيام المقبلة سوف تشهد نشاطا سياسيا مكثفا, وتقدما نشيطا متصاعدا, يتعقب الحريات والحقوق من باب الدفاع عنها وحمايتها بمناسبة مشاهد انتخابية مقبلة ومتلاحقة, مع بداية الترشيح والانتخابات للتجديد النصفي لمجلس الشوري.. بعدها تجري انتخابات مجلس الشعب.. ويمهد ذلك كله للترشيح والانتخابات الرئاسية المقبلة, ومع أن البداية للترشيح والانتخاب علي عدد من المقاعد المحدودة88 مقعدا لمجلس الشوري.. في عدد67 دائرة من الدوائر المحدودة فلقد بدأت المشاهد مبكرا لكل هذه الانتخابات الحالية منها.. والترويج لما بعدها. وبدت الملامح متصارعة ومتصادمة, ضجت فيها الأصوات من كل جانب.. تحمل القذائف والاتهامات مقدما, وتعلن عن الاستقواء أحيانا بالداخل أو بالخارج تلميحا أو تصريحا وبغير خجل, صاحبتها التهديدات المتواصلة وكأننا أمام حروب مشتعلة بين دويلات أو بلاد صغيرة, أو لسنا علي أرض وطن واحد الغرض أن يستهدف الجميع صالحه, وإن اختلفت اتجاهاتهم, وإذا كانت تلك الأصوات محدودة, لكنها بدت قوية الضجيج عالية النبرة, منتشرة في أبواق إعلامية تطل علينا في كل مناسبة, فاتسمت بالتناقض والتصادم وأصابت الرأي العام بالتوجس والحذر أحيانا.. بل والخوف من المستقبل أحيانا أخري!! واختلطت الأنساب في هذه المشاهد, بين انتخابات مجلس الشوري.. وانتخابات مجلس الشعب.. والانتخابات الرئاسية, انعكس أثرها علي الاتجاهات والتيارات والأحزاب السياسية, بدءا من الدعوة للتغيير, وضراوة الدعاية الانتخابية, والترويج للمبادئ.. أو التسويق والإعلان عن أشخاص بذاتهم.. منهم من سقط عنهم حق الترشيح أصلا.. أو حالت بينهم النصوص القائمة, أو لم تكتمل في شأنهم المراكز القانونية حتي ينكشف أمرهم في استيفاء شروط الترشيح, بل ان منهم من سقط عنهم حق الانتخاب ذاته!! مع ذلك يحدثنا عن قدومه مرشحا للرئاسة برغم أنه محروم منه أو ساقط عنها, ثم يعود ليتحدث عن حقه في الترشيح ويملأ الدنيا علينا ضجيجا كل يوم!! ولهذا اختلطت الأنساب والأصهار بين كل هذه الانتخابات هتافا وترويعا. ويقابل هذه المشاهد علي الجانب الآخر بكل أسف خروج مماثل, وربما يكون أكثر منه, عندما نجد تصريحات أو حوارات أو ردود أفعال أكثر عنفا, لتطلق الاتهامات.. أو الأوصاف لأشخاص عرضوا أنفسهم علي الساحة لأول مرة, فشوهت بها صورهم وتاريخهم, مبالغة أو تلفيقا, وتتواصل الاتهامات لتنال من كل ما يتصل بأشخاصهم أو علمهم أو عملهم أو ذويهم.. لمجرد إزاحتهم عن دائرة المنافسة حتي ولو كانت تلك المنافسة وهمية, مع أنهم خارجها فعلا وقانونا, ومنهم من زج بهم زجا في دائرة الأضواء والإعلام, وربما يكون ذلك رغم أنفه, لكن هذا الاتجاه المقابل قد زاد الأمر اشتعالا, والصراع حدة وعدوانا وأحدث تشوهات سلبية, زادهم انحيازا وتعاطفا في الاتجاه المعاكس. والرأي العام وسط كل هذا الصراع مظلوم, وفي ذات الوقت معذور, لأنه إذا استدعي الماضي البعيد أو حتي القريب, لمشاهد الانتخابات, يجد الأمر لا يسر أحدا, وإذا استدعي التصريحات المسئولة حول ترسيخ الديمقراطية وتنقية أجواء الانتخاب بنزاهة وحرية, ما يلبث أن يجد نفسه في حالة انفصام, وإذا تأمل مع نفسه للحظات ثم أقبل بعدها ليطالع نتائج الانتخابات لايكاد يصدق عقله, وإذا شاهد بعد ذلك الممارسات لنواب كبار, تحت القبة أو خارجها, ويحتلون مواقع في السلطة التشريعية, ممن تعلق بهم أمل الناخبين, لأدرك فشل الناخب في الاختيار وسقوط النائب في حمل الأمانة, بعد أن استولي البعض لأنفسهم علي أموال المرضي والفقراء, أو حرض البعض الحكومة ضد الشعب, وفي النهاية فالناس تتحمل كل هذه النتائج الظالمة وحدها!! لكن تعالوا بنا نترك كل هذه المشاهد, لنحدد الأدوار, لدينا الحكومة.. والأحزاب السياسية.. والشعب الأمين الصامت بينهم الناخبون, والنواب المرشحون المحترمون أو غير ذلك, كل هذه الأدوار هي الواجبات والمسئوليات والحقوق في إطار من الدستور والقوانين القائمة التي تطورت علي مر الزمن حتي شكلت اللجان العليا للانتخابات البرلمانية والرئاسية, والصناديق الزجاجية والحبر الفسفوري.. ومع ذلك كله يظل الواقع هو الحكم العدل.. ونتائج الأعمال هي المحك, إما تقدما إلي الأمام أو إلي الخلف, ووسط كل هذه المشاهد إعلام قوي يشد الانتباه ويعبر عن الرأي العام.. ويساهم في صياغته أو تكوينه أو تنويره.. ورقابته. وقبل أن نحدد المسئوليات والأدوار عن تلك المشاهد, علينا أن نستدعي كفاح الأجداد منذ أن طالب الزعيم محمد فريد في29 أبريل1908, وكان رئيسا للحزب الوطني آنذاك, طالب مع الشعب باستعادة المجالس النيابية التي بدأت منذ مجلس شوري النواب عام1866, وبعدها شوري القوانين منذ أول مايو1883, ثم توقفت بعدها, وأرفق بالطلب ما جمعه عن عرائض في أربعة مجلدات بلغت ستمائة وخمسا وتسعين عريضة, عليها مايزيد عن أربعين ألف توقيع فضلا عما يستجد, إعلانا عن رغبة الأمة, وبعدها إنشاء الجمعية التشريعية بالقانون رقم29 عام1913, ثم صدور قانون الانتخاب نمرة30, كل ذلك قبل أول اعتراف بالاستقلال ووضع دستور للبلاد عام1923, وما شكت منه وزارة إسماعيل صدقي بعد ذلك, وندبت الظروف التي غشيت جو الحياة النيابية في مصر فلوتها عن قصدها, ولم تبق من وجوه الحرية إلا محاربة استقلال الآراء, وهي ذات العبارات الواردة بالشكوي, وما أعقب هذا الكتاب من بيان بشأن تشكيل البرلمان.. وتمثيل الأمة.. إشارة إلي أن نتيجة الانتخابات كانت تأتي لمصلحة فريق موافقة لشهوات الظفر بالغلبة فلم يترك مكانا لمعارضة.. وخالفوا لب النظام البرلماني وجوهره وسادت الأوتوقراطية وتحولت السياسة إلي صناعة يبتغون بها طريقا للجري وراء المنافع.. أو ما يثمر عنه الانتخاب من برلمان لا حول له ولا قوة كل همه أن يكون مطيعا وأن يصوغ الثقة عقودا يقلد بها كل وزارة تتحكم فيها أفراد ومجموعات.. وأن النزاع المستمر الذي اقترن بالانتخابات منذ شرعت وما استتبعه من تعريض الكرامات للهوان ومن إلحاق صنوف الأذي بمن تحدثه نفسه بالتقدم للانتخابات جعل كثيرا يحجم عن دخولها, وهو احجام طبيعي بالنسبة لحداثة العهد بالنظام الانتخابي!! هذا ما كتبه البيان نصا في عهد حكومة إسماعيل صدقي بمناسبة المطالبة بدستور جديد. وكتب ذلك البيان كذلك عن اختصاص المجلس بالفصل في صحة أعضائه.. وأن التطور الحديث يجعل هذا الاختصاص من عمل المحاكم أو من عمل محاكم خاصة حتي لا يكون ذلك أداة حزبية تعوق بين الخصم والنصير في السبب الواحد, فضلا عن تجارة المصالح تجعل بعض الأعضاء يستعملون نفوذهم لحمل المجلس علي رفض الطعن أو الدفاع عنه, وهو ما يرسخ إرادة اليأس من الاستفادة من النجاح في الانتخابات.. وما كتبه البيان كذلك عن سوق التنازل وتجارة المرشحين وتنافسهم بالتنازل وافساد معني الانتخاب وتفويت حق التمثيل علي الناخبين وعلي الأحزابوأوصي البيان بتشديد العقوبات علي الجرائم الانتخابية لحماية الانتخابات ولتكون علي قدر الامكان أصدق تعبير لإرادة الناخبين, مقترحا بأن يوكل نظرها لمحاكم الجنايات.. كل ذلك حضرات السادة كان منذ ثمانين عاما بالتمام والكمال.. صدرت بعدها الدساتير المتعاقبة.. والقوانين المتلاحقة.. والحياة السياسية الصاخبة.. وتغيرت الدنيا.. فهل لنا أن نذكر كل ذلك الماضي لنستفيد منه في الحاضر والمستقبل القريب!! ثم ماذا عن مشاهد الانتخابات المعاصرة.. منذ الثمانينيات والتسعينيات.. والانتخابات الأخيرة عامي2005,2000.. لدينا كثير من الصور مازالت عالقة بأذهاننا.. مسجلة في الوثائق والدراسات والتقارير, ترشيحات أو مرشحون تزايد تنافسهم وبلغ عددهم علي المقعد الواحد أكثر من ثلاثين عضوا, لا يستأهلون الثقة.. لكنهم يتنافسون.. ويستخدمون أموالهم ونفوذهم وصلاتهم للتأثير علي إرادة الناخبين, وأحيانا يستخدمون القوة سبيلهم, حتي ولو كانت في باب السلطة أو الأموال العامة, وأحزاب سياسية لا تستطيع المنافسة أو المقاومة وتكرس كل جهودها في إطلاق الاتهامات والشعارات واليأس, مثلما كان يحدث في الانتخابات قبل الثورة في عهود وصفت بفساد الحياة الحزبية.. كما كثرت الطعون خلال فترة الانتخابات أمام المحاكم بالجملة يعمل القضاء للفصل فيها ليل نهار.. صدرت بشأنها الأحكام, ولا تجد سبيلا لتنفيذها أو احترامها بالاشكالات أو بغيرها, وفاقت وسائل ونفقات الدعاية الانتخابية كل التصورات والحدود, وتزايدت تصاعدا وتأثيرا تبعا لتزايد الأموال الطائلة وتباعد الفوارق بين الناس, وعزوفا من الأغلبية عن الترشيح أو المشاركة في الانتخابات فلم تتجاوز في بعض الدوائر أكثر من3% من عدد الناخبين المقيدين بالجداول.. وتركت المساحة لصناع السياسة والمتاجرين فيها, وصور منتقاة من الإعلام تخرج بها عن مسئوليتها الاجتماعية فتزداد معها التشوهات, وسلطة تلوذ الحياد.. فتترك القوة تغلب البسطاء حتي ولو كانت الحقوق في جانبهم, كل ذلك أحدث في مشاهد الانتخابات السابقة مصادمات وثقوبا استمرت حتي صارت مزمنة بلغت حدتها في انتخابات2000 وبعدها في2005, برغم ما جري من تعديلات تشريعية دستورية والتزام الحكومة بإعداد صناديق شفافة وزجاجية.. وتأكدت رقابة المجتمع المدني, واستمرت الرقابة القضائية في اللجان العامة.. وأمسكت اللجنة العليا للانتخابات بمقاليد الأمور وحتي إعلان النتيجة. بعد كل ذلك فماذا نستقريء من مشاهد مقبلة لنحدد الأدوار, المعطيات تقول لنا, إن الأمر سوف يكون أشد شراسة وعنفا في مجال المنافسة والصراع والقوة, وسيكون المقابل أيضا ازدياد المقاومة قوة واتساعا وغلبة, وسوف يكون ذلك مادة إعلامية للإثارة من كل جانب تشد الانتباه بعيدا عن المسئولية الاجتماعية أحيانا لمزيد من القصص والروايات يزداد بها الناس غرابة وعجبا وقنوطا, وتزداد مساحة الصمت حتما وعزوفا, وسيقول لنا البعض إن ذلك هو المطلوب, لكن الأمر قد طال.. وينبغي علي هذا الوطن وأبنائه أن يصروا علي المشاركة والتمسك بحقوقهم المشروعة.. حاملين لواء الدفاع عنها في أقوي صورها, يتأملون عند الاختيار.. ويدققون الثقة لا يفرطون فيها, يتابعون النتائج, ويستمرون في محاسبة النواب ثوابا وعقابا لأنهم الأصلاء.. أما الحكومة فعليها أخذ الدروس والعظات والتزام الحياد الإيجابي.. لحراسة الحقوق بين أصحابها جميعا التزاما بالمساواة وتكافؤ الفرص, فإذا ما احتكموا للقضاء, عليها أن تحترم أحكامه, وأن تتحمل اللجنة العليا للانتخابات مسئولياتها أمام الله والتاريخ والوطن في الامساك بالعملية الانتخابية من الألف إلي الياء, أما النواب أنفسهم فلسوف يكونون دائما في مواقع الاختبار والامتحان!! فإذا نجحوا فبها ونعمت.. وإذا لم ينجحوا فلن يرحمهم التاريخ.. ويظل الشعب الكريم في موقع المقدمة.. والقرار ليبقي هو السيد دائما علي مر التاريخ وإن طال الزمن!!