تسعي الحكومة جاهدة هذه الأيام لإصدار قانون تداول المعلومات, وكنت قد تناولت هنا ضرورة أن يكون لدينا برنامج وطني لإدارة وتأمين وثائق مؤسسات الدولة. علي اعتباره الشق المكمل لعملية حماية وتداول المعلومات في الوزارات والمؤسسات المصرية قبل أن يصدر هذا القانون, لأننا بالفعل نسير عشوائيا في هذا المجال, كما أننا لا نستعين بمن لديهم القدرة والكفاءة لإعداد وتنفيذ هذا البرنامج في دار الوثائق القومية. فحتي الدول التي تتغني بالديمقراطيات في العالم تضع خطا أحمر لكل ما يتعلق بأمنها القومي,فمثلا الولاياتالمتحدةالأمريكية توصلت إلي صيغة تنص علي سرية وثائق مؤسساتها الاستخباراتية وأنها غير ملزمة بتسليم وثائقها للأرشيف الوطني الأمريكي بعد المدة القانونية إلا ما يسمح به ضمان أمن الولاياتالمتحدةالأمريكية. رغم ان الأرشيف الوطني الأمريكي يقوم علي ادارته بأقسامه المختلفة متخصصون علي أعلي المستويات العلمية والمهنية في مجال الوثائق والأرشيف. فعلي الرغم من أنه يطبق أحدث الأبحاث والمعايير الدولية ولديه أحدث التقنيات وأكثرها تطورا في مجال تأمين وحماية وثائق مؤسساته, ويضم أفضل العاملين في مجال الوثائق والأرشيف, إلا أن وكالة الاستخبارات المركزية تضع شروطا تتيح لها حرية تسليم وثائقها للأرشيف الوطني الأمريكي بما يحقق مصالحها ورؤيتها لخدمة المجتمع والمواطن الأمريكي. وعندما انتقدت ما يحدث في دار الوثائق القومية وقلت أنها لا تعتمد علي المتخصصين كنت أهدف إلي ضرورة الاستعانة بمن يستطيعون وضع مخطط وتنفيذ برنامج وطني لإدارة وتأمين وثائق مؤسسات الدولة, لأنني أعرف أن مصر غنية بهم ومنهم د. محمد عزت آمنة مطور الأبحاث بمشروع تطويرأداء قطاعات وزارة الثقافة المصرية, والذي قدم مشروعا متكاملا لتأسيس مثل هذا البرنامج ولم يجد آذانا صاغية, بل تم تهميشه وإقصاؤه عن مجاله, ولذلك أتمني أن يولي المستشار أحمد مكي وزير العدل مشروعه الاهتمام الذي يستحقه والذي قدمه إليه, وهو عبارة عن خطط واستراتيجيات لإدارة وتأمين الوثائق المستخدمة داخل وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة بجميع أنواعها, سواء الورقية أو الالكترونية الناتجة من خلال أعمال الحكومة الالكترونية, بوصفها احد المكونات المهمة في قوانين تداول المعلومات وكذا قوانين حماية البيانات في الدول المتقدمة لأنها تمثل أداة أساسية في عملية السيطرة والمراقبة وتحديد مدد الحفظ وقواعد الحفظ وأسلوب تداول المعلومات واسترجاعها داخل مؤسسات الدولة, وحتي الوصول لعملية إعدامها أو الاحتفاظ بها ونقل ما يصلح منها للإيداع بالأرشيف الوطني لهذه الدول, أو الاحتفاظ بها حفظا أبديا داخل الجهات التي أنشأتها, ويتضمن البرنامج خطط إدارة الطوارئ والكوارث لوثائق مؤسسات الدولة سواء أكانت هذه الكوارث بشرية أو طبيعية, فخطط الطوارئ والأزمات لوثائق مؤسسات الدولة هي جزء أصيل من عمليات الحفاظ علي المعلومات التي تحويها وثائق الوزارات والمؤسسات المختلفة. وتحدد هذه الخطط إجراءات الطوارئ الواجب اتخاذها عند التعرض لأي نوع من أنواع المخاطر وتقوم بتحليل تأثيراتها المختلفة سواء المادية أو حتي المعنوية, أيضا تقوم هذه الخطط بتحديد الوثائق التي يجب حمايتها تحت اي ظرف والتي تمثل اهمية استراتيجية للدولة أو للجهة المنشئة لها. وقد أثبتت الأحداث التي تتعرض لها البلاد وقيام بعض المخربين بمهاجمة المؤسسات العامة والمحاكم والنيابات والحرص علي حرق ملفات القضايا أهمية تطبيق هذا البرنامج. واقترح د. آمنة أن يقوم بتطبيق الفكرة الأساسية للبرنامج الوطني لإدارة وتأمين وثائق مؤسسات الدولة المجلس القومي للمعلومات دون غيره من مؤسسات الدولة, وذلك تحقيقا للأمن القومي المصري لأنه هو الجهة الوحيدة التي يمكنها وضع الخطط اللازمة للحفاظ علي وثائق ومعلومات الدولة وتنظيم عمليات تداولها وإتاحتها. المزيد من مقالات د. اسماعيل ابراهيم