شهد الأسبوع الماضي العديد من المبادرات تحاول كلها- أو بعضها- وقف العنف وآثاره وكذلك الوصول إلي صيغة تسمح أو تهيئ الجو لحوار وطني بناء. ورغم كثرة المبادرات إلا أن العنف استمر وآثاره بدت واضحة للعيان, فهل كان العيب في المبادرات أم أن العيب في هؤلاء الذين لا يريدون لها أثرا ملموسا, بل يكتفون بحجز مساحة إعلامية في دنيا السياسة لعلها تساعدهم فيما هو قادم من أيام وأحداث قد يكون أهمها انتخابات مجلس النواب القادم. ومن المؤكد أن مبادرة الأزهر الشريف كانت أهم المبادرات التي تم طرحها, ولقد اكتسبت أهميتها من جمهرة شباب الثورة الذي فكر فيها وانطلق بها إلي رحاب الأزهر الشريف لتستظل به, وكان الأزهر عند مكانته المرموقة فزادها أهمية, وكان للحاضرين من السياسيين وغيرهم دور في إكسابها المزيد من الأهمية. وكان المتوقع من هذه المبادرة وقد اكتسبت هذه الأهمية أن يكون لها الأثر الفعال, بيد أن بعض الموقعين عليها نفضوا أيديهم من محتواها قبل أن يجف المداد الذي كتبت به, وبعدها بيوم واحد خرقها زعيم سياسي وبرر استمرار العنف بكلمات كتبت علي حسابه الشخصي وباللغة الإنجليزية تبريرا هو أقرب إلي التشجيع علي العنف بدلا من إدانته كما طالبت الوثيقة. بل إن مرشحا سابقا للرئاسة صرح باعتذاره عدم توقيع هذه الوثيقة متعللا بعنف الداخلية مع الذين هاجموا القصر الجمهوري وكأنه لم ير القنابل الحارقة( زجاجات المولوتوف) التي ألقاها دعاة التخريب والتدمير والذين سماهم بالمتظاهرين السلميين وهم أبعد ما يكونون عن روح الثوار السلمية التي تميزت بها ثورة الخامس والعشرين من يناير. ولا يمكن فهم هذا المسلك إلا بشيء واحد وهو أن بعض من ذهبوا إلي الأزهر ذهبوا مضطرين حتي لا يقال عنهم إنهم رافضون لكل حوار. وعجبا فعلوا إذ خالفت أعمالهم ما تعهدوا به في رحاب مؤسسة الأزهر الشريف. إنهم وللأسف الشديد لا يريدون لهذه المؤسسة ولا لمبادرتها أثرا ملموسا يساعد مصر علي الخروج من مأزقها الحالي. ومن مبادرات الأحزاب سبق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية غيره من رؤساء الأحزاب وأعلن عن مبادرة حوار تبدأ بمجموعة منتقاة ممن اعتبرهم أصحاب رأي وتأثير وهم: السيد رئيس الجمهورية ورؤساء أحزاب الحرية والعدالة( د. محمد سعد الكتاتني), الدستور( د. محمد البرادعي), التيار الشعبي( السيد حمدين صباحي) بالإضافة إلي نائب المرشد العام للاخوان المسلمين( م. خيرت الشاطر) مع اشتراكه( د. أبوالفتوح) معهم. وتكون هذه المجموعة صاحبة التأثير مختصة بوضع نقاط الحوار وجدول له ثم تتسع مائدة الحوار بعد ذلك للعديد من الأحزاب والقوي السياسية والشبابية. ويري صاحب هذه المبادرة أن المدعوين إليها لهم القدرة علي كسب تأييد الشارع المصري فضلا عن أنهم يطلعون- كما يري- بفاعلية ملموسة داخل التجمعات التي يرأسونها. ويلاحظ في هذه المبادرة أنها تجاوزت الشكل الرسمي وتحدثت عن آفاق التأثير العملي. ولقد أثارت مبادرة حزب النور السلفي نقاشا وجدالا واسعين. فمن حيث الشكل اندهش الكثيرون من الاتفاق وإن كان جزئيا بين حزب النور وبين مكونات جبهة الإنقاذ في الوقت الذي يشارك حزب النور في الحوار الوطني بينما تقاطعه مكونات جبهة الانقاذ, وتساءل البعض ومعهم حق حول تأثير الانتخابات البرلمانية القادمة علي حزب النور ومبادرته وقالوا: هل يسعي حزب النور إلي اصطفاف يتصدره مع جبهة الانقاذ في مواجهة حزب الحرية والعدالة؟!. ومن حيث المضمون فإن بعض بنود هذه المبادرة يصطدم اصطداما مباشرا مع بعض مواد الدستور الذي تبناه ودافع عنه حزب النور مع أحزاب أخري, فالمبادرة تطلب أن يترك النائب العام موقعه, فمن يا تري الجهة التي ستدفعه إلي ذلك؟ هل هو رئيس الجمهورية؟! ويكون ذلك تدخلا واضحا من السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية التي نص الدستور علي استقلالها. ولعل قائلا يقول: ألم يتدخل رئيس الجمهورية نفسه في شئون القضاء بالاعلان الدستوري الذي مكنه من انهاء خدمة النائب العام السابق وتعيين النائب العام الحالي؟ والجواب أن ذلك تم ولم يكن للبلاد دستور مستفتي عليه, أما وقد وافق الشعب علي الدستور فلا يجوز لأحد أن يتجاوزه. وقال البعض: يستقيل النائب العام من تلقاء نفسه. ومعني ذلك أن الأمر متروك لسيادته, وقد أعلن هو مرارا أنه لن يستقيل. ونقطة أخري أثارت الجدل في مبادرة حزب النور وهي الخاصة بتشكيل حكومة انقاذ وطني, ومعلوم أن تشكيل أي حكومة مؤقتة أو دائمة يحتاج إلي نقاش طويل ليصل أصحاب الفكرة إلي مهمة هذه الحكومة وتشكيل أعضائها. وكيف الوصول إلي ذلك وجبهة الإنقاذ نفسها تقاطع الحوار منذ نشأت فكرته وليس الآن فحسب. وأدلي حزب مصر بدلوه في دنيا المبادرات مقترحا السعي من أجل صلح بين ألتراس النادي الأهلي وألتراس النادي المصري الذين تصدروا المشهد في أزمة بورسعيد الثانية كما تصدروها في الأزمة الأولي بعد المبارة الدامية التي جرت منذ عام تقريبا. والمبادرة هدفها نبيل لكن من يستجيب والطرفان يناديان: القصاص القصاص. وواضح أيضا أن هذه المبادرة تمسك بطرف واحد بينما الأزمة التي تعيشها مصر لها أطراف متعددة. وكم يلفت النظر أن حزب الحرية والعدالة وهو أكبر الأحزاب المصرية لم يتقدم حتي الآن بمبادرة خاصة به لكنه أعلن أن المبادرات كافة بها عناصر ايجابية تستحق الدراسة, وهو- أي حزب الحرية والعدالة- يدرسها كلها. إن أي مبادرة كي يكتب لها النجاح تحتاج إلي جهود مضنية لتقتنع الأطراف المعنية ببنودها أو علي الأقل ببعضها ثم تجلس تلك الأطراف للنقاش حول توسعة دائرة الاتفاق, وبحث آليات التنفيذ, ولا تكفي أبدا المؤتمرات الصحفية لإعلان تلك المبادرات أمام آلات التصوير الخاصة بالقنوات الفضائية. المزيد من مقالات د.حلمى الجزار