ما يحدث في مصر منذ الذكري الثانية لثورة يناير, هو الجنون بعينه!! محمد سعيد عز فلماذا هذا التخريب الذي لا منطق له ولا معني سوي محاولة إسقاط مصر!! لقد خرج المتظاهرون من مسجد مصطفي محمود في ذكري الثورة المجيدة في مسيرة ضخمة ومعها مسيرات ميادين مصر المختلفة بشكل سلمي وحضاري, لتعبر عن غضبها من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية, ثم تدخلت الأيادي التي يتربص أصحابها بشعب مصر منذ أسقط الطاغية, فهاجم البلطجية المأجورون ومعهم الغاضبون الجهلاء وعاشقوا الشغب والتخريب وزارة الداخلية ومحكمة الإسكندرية ومجلس الشوري ودار القضاء العالي ووزارة التموين وبعض مديريات الأمن في المحافظات, وأشعلوا النيران في ديوان محافظة السويس ومحطة السكك الحديدية بالعاصمة ومدرسة ليسيه الحرية, وبعض أقسام ومراكز الشرطة, وهاجموا فندقي سميراميس وشبرد بالمولوتوف, وأغلقوا كوبري6 أكتوبر وكوبري قصر النيل وكورنيش الإسكندرية, وعديدا من الطرق الرئيسية والسكك الحديدية ومترو الأنفاق وترام الإسكندرية, وحاولوا أكثر من مرة الاعتداء علي المجمع العلمي بعد ترميمه, واعتدوا علي منشآت عامة وخاصة.. وسقط مصابون وقتلي, وانتشرت الحرائق والاضطرابات والمصادمات الدموية في أنحاء مصر!! فما علاقة هذه الجرائم وهذا التخريب بالتعبير السلمي عن الرأي, والاعراب عن الاحتجاج والغضب بصورة حضارية؟!! ألا تذكرنا هذه الأحداث الغوغائية بحريق القاهرة في يناير2591, وتهديد مبارك: أنا أو الفوضي!! إن ثورة يناير المجيدة قادها شباب وطني واع واجه رصاص الداخلية بصدور عارية, وقلوب فتية يملؤها الإيمان والخوف علي الوطن, وأيد, طاهرة لم تمتد بأذي أو ضرر إلي أي منشأة حكومية أو أهلية, وسقط منهم شهداء بحق أدموا قلب مصر النابض, وهناك فرق هائل بين الثورة والفوضي, وأين هيبة الدولة وسيف القانون في التصدي لهذه الفوضي وتعطيل دولاب العمل ومصالح المواطنين؟! ثم ما الدولة التي تقبل أن يتم حصار محكمتها الدستورية العليا من جانب بعض المتطرفين؟ لقد بات الاجتراء الفج علي الشرعية وأمن المجتمع ومصالح الدولة العليا أمرا عاديا, حتي وصل انفلات الأوضاع في بلدنا إلي حد تهديد القضاء لإصدار أحكام تتماشي مع هوي وإرادة بعض المواطنين وإلا هاجوا وماجوا ولجأوا إلي العنف!!! وهذا ما يعني ليس فقط سقوط دولة القانون, ولكن سقوط الدولة نفسها!!, ومن المؤسف أن النظام الحاكم في مصر هو الذي تسبب بأدائه غير المسئول في النيل من هيبة القضاء وإثارة الشكوك في نزاهته!! أما الإعلام المنوط به إذكاء الوعي والانحياز الي الحقيقة والمصلحة العليا لمصر, فقد وقف معظمه موقف المتفرج من تلك الأعمال الإجرامية وتحدث عن أولئك الغوغاء باعتبارهم متظاهرين وثوريين, بل إن بعض الناشطين أعلنوا في جرأة غريبة أنهم يتفهمون أسباب هذا التخريب والعنف!!, بالإضافة الي التجاهل المقيت لمصابي وشهداء الشرطة الذين سقطوا دفاعا عن منشآتهم الأمنية وواجبهم الوطني في حماية مرافق الدولة والمنشآت العامة والخاصة, وبات واضحا, مع الأسف, أن قوي الشباب الثورية وجبهة الإنقاذ التي تدعو إلي التظاهر بشكل مستمر قد أصاب العطب بوصلتها الثورية, فلم تعد تدرك مدي خطورة هذه المظاهرات المتكررة علي اقتصاد الوطن واستقراره وقد تحولت من ضرورة وطنية الي عادة واستعراض للقوة ففقدت بريقها الثوري, ولم تعد تثمر سوي مزيد من مناخ الخوف وعدم الاستقرار والنيل من سمعة مصر أمام العالم! ويبدو أن معارضة الرئيس لمجرد المعارضة ومهاجمته علي الدوام والإساءة إليه باتت شرطا لازما للحصول علي صك الوطنية!, وبدا هذا واضحا في عدم تكاتف المعارضة الليبرالية مع الرئيس ومؤسسات الدولة للتصدي بكل حزم وقوة للتخريب المتعمد لمرافق الدولة ومنشآتها الحيوية, ورفض دعوة الرئيس للحوار تعنتا وابتزازا علي أمل أو وهم أن استمرار مسلسل العنف سوف يؤدي الي سقوط الرئيس!!, وهو مع الأسف موقف عبثي غير مسئول وغير أخلاقي وانتهازية سياسية بغيضة!, ولكن تبقي المسئولية الأكبر في عنق الرئيس الذي يجب أن يصحح اتجاه بوصلته ويمضي في طريق التوافق الوطني الذي لا طريق سواه لإنقاذ مصر.