, إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا] جاءت هذه الآية القرآنية الكريمة في سياق ثلاث من آيات سورة الأحزاب يقول فيها( ربنا تبارك وتعالي): إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما* إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا* والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا]( الأحزاب:5856). وصلاة الله تعالي- علي خاتم أنبيائه ورسله هي مباركته له, ورحمته به, والثناء عليه في الملأ الأعلي, وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وصلاة الملائكة عليه( صلي الله عليه وسلم) هي دعاؤهم له بالمزيد من رحمات الله ومغفرته, وبرفع الدرجات إلي أعلي مقامات الرفعة البشرية. وذلك لأن( الصلاة) في كلام العرب هي لله عبادة وتسبيح وتنزيه وخضوع, واعتراف بالعبودية للخالق البارئ المصور, والصلاة لغير الله( تعالي) هي الدعاء بكل خير. فعن موسي بن طلحة, عن أبيه قال: أتي رجل النبي( صلي الله عليه وسلم) فقال: سمعت الله يقول, إن الله وملائكته يصلون علي النبي...] الآية, فكيف الصلاة عليك ؟ فقال: قل اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد, كما صليت علي إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك علي محمد وعلي آل محمد, كما باركت علي إبراهيم إنك حميد مجيد. وفي ظل هذا التكريم الإلهي لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) يتضح أن ما يقترفه بعض الجاهلين من الكفار والمشركين من محاولات الإيذاء لشخص هذا الرسول الكريم هو مما يستوجب غضب رب العالمين, وانتقامه من هؤلاء العابثين. ويشمل ذلك استبعادهم من رحمة الله في الدنيا والآخرة, واستحقاقهم لعذاب الآخرة وهو عذاب مذل مهين. ومن مبررات ذلك العقاب الشديد أن الله( تعالي) يعتبر الإساءة إلي خاتم أنبيائه ورسله إساءة إلي ذاته العلية, وإيذاء لجلاله. والخلق جميعا( فرادي ومجتمعين) لا يملكون إيذاء رب العالمين, أو الإساءة إلي مقام الألوهية الذي لا يطال, ولكنه التعبير القرآني الذي يصور مدي شناعة الجرم الذي يمكن أن يقترفه عبد من عباد الله بالإساءة إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم). لذلك فإن الآية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال تصور الإساءة إلي رسول الله, كأنها إساءة وإيذاء لذات الله العلية. والله( تعالي) هو رب هذا الكون ومليكه, خالقه ومبدعه, راعيه ومدبر كافة أموره. وهذا الإله الواحد الأحد, الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد], لا يصله شئ من إيذاء خلقه لأنه( سبحانه وتعالي) منزه عن حدود كل من الزمان, والمكان, والمادة والطاقة, وعن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله. وهو( تعالي), لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير]( الأنعام:103). والله( جل جلاله) الذي هذا وصفه كيف لعبد من عباده أن يصل إلي إيذائه ؟ ولكنه هو التعبير القرآني الذي يؤكد مقام رسول الله( صلي الله عليه وسلم) عند ربه, حتي لكأن ما يصيب هذا الرسول الخاتم من أذي بعض جهال الخلق يعتبر إساءة إلي رب العالمين. وهذا التهديد والوعيد من الله( تعالي)- وهو المالك لمصائر خلقه أجمعين- يشمل الذين تعمدوا الإساءة إلي شخص رسول الله( صلي الله عليه وسلم) من أصحاب الرسوم السيئة التي قامت بنشرها جريدة يولاندز بوسطن الدنماركية في2010/9/30 م, ثم تناقلتها بعد ذلك أعداد من المجلات الأوروبية, ومخرجي ومنتجي الفيلم الهولندي الكرتوني الإباحي الذي بث بتاريخ2010/4/30 م, والفيلم الأمريكي المسف في الانحطاط والذي تم وضعه علي شبكة المعلومات الدولية في أبريل2012 م. ويدخل في هذه الدائرة من دوائر غضب الله وسخطه جميع الأعمال المسيئة إلي دين الله وكتابه وخاتم أنبيائه ورسله( صلي الله عليه وسلم) من محاولات تدنيس المصحف الشريف وحرقه, وما ينشر في العديد من الكتب, والنشرات, ومختلف وسائل الإعلام المقروءة, والمسموعة والمرئية مما يلوث الأبصار والآذان والأفكار. كما يدخل في دائرة غضب الله وسخطه إيذاء أي من المؤمنين والمؤمنات ظلما وعدوانا وذلك برميهم بما ليس فيهم من المعايب والنقائص والجرائم, أو بما لم يعملوا من الأعمال زورا وبهتانا. وتحذر الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال كل من يفعل ذلك بغضب من الله( تعالي) في الدنيا والآخرة, وبالعذاب المهين في يوم الحساب, وذلك لأنه حمل نفسه من الآثام ما يشمل التزوير والكذب, والافتراء, والبهتان بغير حق.( والبهتان) هو أفحش ألوان الكذب,( والأثم المبين) هو الذي يتضح تزويره فورا لسامعيه. وهذا التشديد القرآني في تأكيد غضب الله( تعالي) علي الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا, يؤكد أن أهل الإيمان في كل زمان ومكان- معرضون لهذا الإيذاء من أصحاب النفوس المريضة من الكفار والمشركين, ومن المنافقين أعداء الدين. وهؤلاء جميعا إذ يسيئون لأهل الحق كذبا وافتراء وظلما وعدوانا لا يعلمون أن الله( تعالي) تعهد بالرد علي إثمهم بغضب منه في الدنيا وعذاب شديد في الآخرة. وهذا الإيذاء لأهل الإيمان كان ولا يزال سمة من سمات هذه الحياة الدنيا وهي دار ابتلاء واختبار لخلق الله المكلفين. فالصراع بين الإيمان والكفر هو من صفات حياتنا الأرضية. ونتذكر من صور هذا الصراع في تاريخنا الحديث كلا من: الحروب الصليبية التي شنها الغرب علي العالم الإسلامي منذ سنة490 هجري/1095 م ولا زالت مستمرة حتي اليوم. وكان من توابع تلك الحروب الجائرة هجمة التتار(617 هجري/1220 م), واحتلال غالبية بلاد المسلمين, وإسقاط دولة الخلافة, وتفتيت العالم الإسلامي إلي أكثر من62 دولة ودويلة, وزرع الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي, ووالعمل علي تغريب الأمة, وغزو كل من الصومال, وأفغانستان, والعراق, وتقسيم السودان واتهام المسلمين زورا بالإرهاب أو التطرف والتخلف وبغير ذلك من الأوصاف التي ليست فيهم. وكل هذه الإساءات إلي الإسلام ورسوله, وكتابه, وأهله مما يستتبع غضب الله( تعالي), وغضب كافة أنبيائه ورسله, وعلي رأسهم خاتمهم أجمعين. ومن نتائج هذا الغضب إخراج هؤلاء المسيئين من رحمة الله( تعالي) في الدنيا والآخرة, واستحقاقهم للعذاب المهين في يوم الحساب وما أشده من عقاب. وكأن هذه الآيات الثلاث من سورة الأحزاب تقول لكل من الكفار والمشركين وللمتغربين من أبناء المسلمين: إياكم والتعرض للكمال البشري المتمثل في شخص خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) والمتمثل كذلك في أتباعه الصالحين بشئ من الأذي لأن الله( سبحانه وتعالي) محيط بكم وبأعمالكم وسوف يحاسبكم عليها في الدنيا قبل الآخرة, وهو أسرع الحاسبين,... والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون]( يوسف:21).