علي وقع طبول الحرب ونغمات الموت تعيش القارة الإفريقية روتينها اليومي, ويبدو لاعبوها الأساسيون يفكرون في كيفية الحفاظ علي مكتسباتهم الشخصية والسياسية بدلا من وضع الخطط لنهضة بلادهم علي النطاق الأوسع او حتي قبائلهم ومن يدينون لهم بالولاء. والغريب أن مثل هذا الأمر لا يقتصر فقط علي الدول أو حتي المناطق المضطربة وإنما أيضا في الدول التي يبدو أنها تعيش إستقرار زائفا هشا...لتبقي المشاحنات السياسية والاستقطاب أحداث يومية عادية. وفي قارة عانت من تبعات السياسات الإستعمارية التي غذت الفوارق الاثنية والدينية والقبلية,ثم عانت بعد ذلك من الديكتاتورية التي لم تسمح لأحزاب المعارضة بالتطور والنمو, يبدو انتشار السلاح إختيارا طبيعيا خاصة بعد انتشار العنف وغياب لغة الحوار والعقل. وتبدو حرب التطهير العرقي في رواندا مثالا صارخا حيث اختارت فرنسا تدعيم أقلية التوتسي علي مستوي التعليم, الأمر الذي أهلهم لتقلد المناصب المهمة مما غذي الحقد في داخل الأغلبية من قبائل الهوتو إنتهت بحرب الإبادة الجماعية وقتل مليون شخص من التوتسي. ولايمكن أن نغفل في هذا السياق دور الدول الكبري المصدرة للسلاح حيث أغلبهم أعضاء فاعلون في مجلس الأمن, خاصة إذا علمنا أن دولة مثل الولاياتالمتحدة تحتل المركز الأول في تصدير السلاح بنسبة بلغت40% بعائدات تقترب من29 مليار دولار, تليها روسيا بعائدات تصل إلي11 مليار دولار, ثم فرنسا وإسرائيل. واللافت أن تل أبيب قد لايهمها الربح المادي بقدر إستغلال تلك الصفقات لإيجاد موطيء قدم في القارة ذات الإمكانات المنسية الهائلة, حيث تتبع نظام المقايضة في أغلب الأحيان فهي تبيع الأسلحة وتحصل في المقابل علي عقود وتصاريح للتنقيب. الغريب هنا أن المراقب لحركة تجارة السلاح يجدها مثل حلقة مفرغة, حيث أن دول تجارة السلاح الكبري أغلبها أعضاء في مجلس الأمن يدعون الدفاع عن الحريا والتمدن وتقديسهم للديمقراطية والقيم الإنسانية, وهم في الحقيقة أول المنتهكين, يبرمون المعاهدات ويخرقونها ومن ثم يحاسبون المشترين الذين بدورهم ينتهكون حقوق الضعفاء. كما لا يمكننا أيضا أن ننسي دور ثورات الربيع العربي, فقد زادت عمليات التهريب خلال أكثر من منفذ خاصة في ظل انعدام الأمن ودخول أطراف جديدة للحلبة. فلم يعد الأمر يقتصر علي أطراف الصراع السياسية وإنما أيضا إفراد المجتمعات أصبحت تقبل علي اقتناء الأسلحة بحجة حماية الأمن الشخصي. الغريب هنا أن هذه التجارة مزدهرة في واحدة من أكثر بقاع الأرض فقرا, أو ما يطلق عليها دول العالم الثالث, وذلك قد يكون مرجعه هو غلبة القبلية والعشائرية, بالإضافة للجهل وسيادة الفوضي وما يتبعه من سباق حول التسلح. وبعد هذا الإنتشار الغير مسبوق للسلاح في القارة تحققت أحد أهم مخاوف بعض المحللين حيث أصبح السلاح يشكل جزء من هوية وشخصية المواطن, حيث يصبح هذا الشخص ممثلا للقانون والجهات التنفيذية في دول عدة غابت فيها قوة القانون وأصبح التراشق السياسي مقدمة طبيعية للفوضي والإنفلات الأمني. وستظل الأوضاع في إفريقيا وصمة عار علي جبين المجتمع الدولي, بما تحويه من متناقضات جمة فهي سلة غذاء العالم التي يموت أهلها جوعا, وبينما هي تعاني الفقر والمرض تزدهر فيها تجارة الموت, وتدعي دول العالم الكبري اهتماما زائفا بينما هي تبني اقتصادها القوي علي أشلاء وجثث ضحاياها, لذلك هي شاهد علي غياب ضمير البشرية وغلبة سياسة البقاء للأقوي. [email protected]