الفكرة الرائعة للعرض مأخوذة عن مسرحية وقت الأبرياء تأليف زيجفرد لينتس.. أما النص الذي كتبه أكرم مصطفي وأعد له السينوجرافيا عمرو عبدالله فمصاب بحالة من الترهل الشديد والاطالة التي لا تتناسب أبدا مع ذكاء الفكرة والاعتماد علي عنصري التشويق والمفاجأة . صحيح أن المخرج أحمد إبراهيم هو فنان شاب واعد شديد الايمان بالثورة وبضرورة استمرار الثورة يحسن قيادة الممثل ويستطيع تكوين فريق عمل متناغم يجمع ما بين نجوم كبار وشباب موهوب ومتحمس كما أنه يحسن توزيع حركة الممثلين علي خشبة المسرح بوعي وتقنية عالية لكن في تصورنا أن من أهم صفات المخرج الناجح هو الاحساس بإيقاع العرض واختزال الزائد من الحوار لصالح باقي حوار المسرحية.. فلو شعر المتفرج بطول زمن المسرحية يضيع جهد عدد كبير من المبدعين, وهذه مسئولية المخرج أولا وأخيرا الفكرة الأجنبية الرائعة تفترض قيام جهاز أمني بحبس مجموعة من المواطنين العاديين غير المنتمين لأي عمل سياسي في زنزانة واحدة مع شاب ثائر مناضل يريد تغيير نظام الحكم.. وبدافع رغبة هؤلاء المواطنين في العودة إلي بيوتهم وانهاء الأزمة يختلف معظمهم مع ذلك المناضل الذي يريد لهم الحرية ويضحي بحياته من أجلهم ويزيد عمق الخلاف مع مرور الوقت إلي أن يقتل أحدهم الشاب الثائر خنقا وهو نائم في حالة غيبوبة من شدة التعذيب.. وهذا الجزء من العرض يبدو شديد التماسك والحيوية. أما الجزء الثاني الذي يفترض نجاح الثورة بعد عدة سنوات واعادة فتح قضية مقتل الثائر المناضل لمحاكمة كل من كانوا معه في الزنزانة فهو مشهد طويل جدا وفيه تكرار عجيب, حيث يبدأ كل واحد من خانة البراءة وينتقل بعد تحقيق المجموعة معه إلي الإدانة فالطبيبة استاذة الجامعة تقتل الأطفال, حيث تقوم بعمليات اجهاض وإعادة البكارة للسيدات بدافع أنها تحميهن من نظرة المجتمع لهن والصحفية كانت مندسة من جهاز أمن الدولة علي المجموعة البريئة, وأستاذ الجامعة كان مدمنا للمخدرات يغيب نفسه عن الواقع المؤلم ورجل الأعمال متورط في قضايا فساد وموظف البنك مشارك في تهريب أموال الفاسدين للخارج وخادمة البيوت تقدم الفتيات الفقيرات لراغبي المتعة وحتي عامل التراحيل الجنوبي كان يبيع جسده للنساء العجائز, وقصص أخري تؤدي لنفس الفكرة وتدفعنا إلي إدانة من يبدو لنا أنهم أبرياء فالكل شارك في قتل البراءة والطهر والثورة علي الظلم والفساد اعاد العرض الفنانة القديرة فايزة كمال إلي خشبة المسرح في دور الدكتورة رانيا, كما تألق الفنان حسن العدل في شخصية أستاذ الجامعة المغيب بإرادته عن الواقع.. وشاركهما في البطولة فكري سليم ومحمد يوركا الذي تميز بخفة ظل عالية وكريم الحسيني ومحمد عبدالوهاب ومروة عبدالحي التي أتمني ان تعيد التفكير في الرؤية التي قدمت بها الدور وأحمد إبراهيم وأشرف صالح وجمال يوسف والحسن محمد وهناء سعيد ويحيي محمود وللأسف الشديد توقف هذا العرض الذي يحمل ابداعا حقيقيا من عمرو عبدالله الذي أعد المشاهد السينمائية بذكاء ووعي سياسي كما قام بتصميم الديكور والاضاءة والملابس ولعله كان ينجح اكثر إذا همس في أذن المؤلف الشاب بأهمية تكثيف الحوار والحد من الشخصيات المتوازية التي تكرر نفس المعني ولكن يحسب لأكرم مصطفي علي كل حال حسن اختيار الفكرة وتمصيرها بذكاء وعمل حالة من الجدل بين شخصيات كثيرة تقف في نفس الوقت علي خشبة المسرح ما يؤكد أننا أمام موهبة مسرحية ستتمكن من تصويب اخطائها في العروض المقبلة أما الفنان الصديق محمد دسوقي فلي عتاب شديد عليه, حيث قال في كتيب العرض إن المسرح فن زوال لا يبقي منه إلا تاريخ العرض.. وهذا بالطبع غير صحيح فلا أحد يحتفظ بكتيبات مسرحيات شكسبير أو موليير أو الحكيم لكن ابداعهم المسرحي لا يمكن أن يزول.