عرف المصريون البيزنس الإسلامي الذي أخذ في التوسع منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي, عبر مدخله الطبيعي وهو الاقتصاد. وبعيدا عن تقييم هذا البيزنس سواء من حيث فائدته أو حتي من زاوية مدي إسلاميته. فقد طبعت نشاطاته منذ بداية انتشاره الواسع بطابع المرحلة الأولي للانفتاح الاقتصادي التي انقلبت فيها الموازين وتبدلت القيم وبرز أسوأ ما في المجتمع من غرائز, إنها المرحلة التي أصيب فيها عدد متزايد من المصريين بحمي الركض وراء المال بأية طريقة والسعي إلي الربح حراما كان أم حلالا. وكانت المفارقة الكبري هي ان المال صار بكل أسف صنما يعبد من دون الله في المرحلة التي انتشر فيها التدين الشكلي أو الطقوسي الذي تسابق الناس في ظله لإظهار الالتزام الديني. ولذلك لم يكن مدهشا ان يطغي الفساد والتحايل والخداع علي أول بيزنس إسلامي كثيف اخترق المجتمع من أقصاه إلي أقصاه عبر ما عرف باسم شركات توظيف الأموال, ولم يكن المودعون لدي هذه الشركات الذين تبخرت ودائعهم ومعها أحلامهم الساذجة هم وحدهم ضحايا ذلك البيزنس, كان المجتمع كله ضحية لم تتوقف خسائرها عندما أوقف نشاط تلك الشركات وأحيلت علي القضاء, لأن القيم النبيلة التي دمرت والسلوكيات الرذيلة التي أشيعت ظلت مؤثرة في التفاعلات المجتمعية حتي وقتنا هذا بل زاد أثرها انتشارا وعمقا. ولامبالغة في ذلك.. ألم يتوسع الفساد الذي أطل برأسه دون خجل أو وجل, عبر تلك الشركات, في مجتمع تضاعف سكانه منذ ان بدأت نشاطاتها في آخر العقد السابع في القرن الماضي, ألم نر مسئولين وإعلاميين كبارا افتتحوا مشاريع لتلك الشركات أعلن عنها في صفحات كاملة من بعض صحفنا وبرامج تليفزيونية خصصت لها, وأسهموا في خداع ملايين البسطاء وتشويه مدركاتهم ولم يحاسبهم أحد, ألم تكن هذه بداية أولي لعلاقة شائهة بين ثروة حرام وسلطة لم يعرف بعض أصحابها انها تقترن بمسئولية عظيمة؟! وهكذا اقترن البيزنس الإسلامي أو ما يقال انه كذلك, منذ البداية بتحولات انفتاح السداح مداح التي اطلقت شياطين المال الفاسد والربح الحرام بلا حدود, وكان هذا البيزنس هو أحد الفوانيس السحرية التي نقلت بعض من رفعوا رايته من حال إلي حال. ولكن النهاية المؤلمة لشركات توظيف الأموال لم تضع حدا لهذه الظاهرة غير الطبيعية, فقد ظهرت وانتشرت أشكال شتي لما يسمي البيزنس الإسلامي اعتمدت علي التدهور الذي حدث في الوعي العام والتجريف الذي أصاب المجتمع, فإلي جانب المظاهر المعروفة لتديين الاستثمارات وكثير من المعاملات اصبح هناك بيزنس إسلامي يقوم علي التجارة ولكن ليس فقط في السلع وإنما في الدعوة الدينية التي جري تحويلها الي خدمة تيك أواي صار لها نجومها الذين يحققون مكاسب طائلة من ورائها. ودخل هذا البيزنس في مجال لباس المرأة عبر اغراءات متنوعة قدمت الي فنانات لإقناعهن باعتزال الفن وارتداء الحجاب, ثم من خلال محاولة مازالت متعثرة لإيجاد ما يسمي فنا إسلاميا يعتمد علي بعض الفنانات المحجبات. وارتبط هذا التطور من إخفاء الفنانة عند تحجيبها الي إظهارها علي الشاشة مجددا بتحول آخر يظهر في ازدياد اعتماد حركات اسلامية علي عضواتها ودورهن في الدعاية والتجنيد وكسب الأنصار والاتباع وصولا الي استخدامهن في العمليات الانتخابية. وازدهر في ثنايا هذا النشاط الذي لا حدود له بيزنس إسلامي آخر عبر التوسع في تجار ملابس المحجبات, والاستعداد الآن لتوسع آخر عبر أردية المنتقبات, ويتجه هذا البيزنس لأن يصبح عالميا عبر سعي شركات لتصميم الأزياء الي استغلال التوسع الهائل فيه لتقديم صرعات جديدة, وبالتالي متجددة في كل موسم علي مدار العام لأزياء المحجبات. والمثير للانتباه في هذا التوسع اللانهائي لظاهرة البيزنس الإسلامي ان اعتمادها علي حرية الأسواق لم يؤثر البتة في ذهنية أصحابها الذين يثرون من ورائها, فلم يتسرب مفهوم الحرية الي وعيهم إلا حين يحتاج اليه بعضهم لحماية مصالحهم وزيادة أرباحهم وملء خزائنهم, أو عندما يجد بعضهم الآخر ألابديل عنه لتعزيز دفاعهم عن النقاب مثلا, فإذا قيل لهم علي سبيل المثال ان هناك من المهن ما يفرض نظام العمل فيه أزياء معينة مثل التمريض, أسرفوا في الحديث عن حرية ارتداء النقاب علي أساس ان إلزام المرأة بزي العمل الرسمي إنما يتعارض مع حريتها في اختيار ما ترتديه. وفضلا عن هذا الاستخدام لمفهوم الحرية في غير محله من جانب أولئك الذين لايمكن ان يضعوه في موضعه الصحيح, فهم يغفلون ان ثمة نظاما عاما تتحول الحرية في غيابه الي فوضي الغابة الموحشة, فليس متصورا علي سبيل المثال ان يقف شرطي المرور لتنظيم حركة السيارات وهو يرتدي لباس البحر بدعوي انه حر في ارتداء ما يراه ملائما. وفضلا عن ذلك فإذا كان ارتداء نوع معين من اللباس يدخل ضمن الحرية الشخصية فمن البديهي ان يكون الانصراف عنه جزءا من هذه الحرية أيضا, وإذا كان القائلون بأن الحق في الاختفاء وراء النقاب يرتبط بمفهوم الحرية ويؤمنون حقا بهذا المفهوم لاعترفوا بأن المرأة التي لا تلبس نقابا ولا حجابا إنما تمارس هي أيضا حريتها دون ان ينتقص ذلك من إيمانها. ولكن ما حدث في مجتمعنا هو ان موضوعي الحجاب والنقاب ارتبطا بظاهرة البيزنس المسمي إسلاميا واندرجا ضمن الأوجه المجتمعية لهذه الظاهرة التي تتفشي الآن إعلاميا عبر توسع سريع في انشاء الفضائيات الدينية وفي نشاطات تسليع الدعوة التي يحقق من ورائها دعاة جدد وقدامي أرباحا طائلة. وقد وثقت مجلس فوربس العربية جانبا محدودا من بيزنس الدعاة هذا في أحد أعدادها وفي حدود ما أتيح لها من معلومات لا تقدم إلا جزءا صغيرا للغاية في مشهد أخذ في التوسع, وبعد مرور أكثر من عام علي ذلك الإصدار, يمكن إضافة عشرات إلي الدعاة الذين وضعتهم علي غلافه باعتبارهم أصحاب أعلي الدخول وهم عمرو خالد وعمر عبدالكافي والسعوديان عائض القرني وسليمان العودة والكويتي طارق سويدان. وليس هذا كله إلا هامشا علي متن البيزنس المسمي إسلاميا وما أحدثه في المجتمع من تحولات.