علي الرغم من تضافرالعديد من العوامل التي كانت بمثابة محفزات لإندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية, إلا أنها تراجعت أمام العديد من الاستحقاقات, كان في مقدمتها حالة الإنقسام الفلسطيني. حيث أن مقتضيات المصلحة الوطنية افترضت توحيد البيت الفلسطيني قبل اندلاع تلك الانتفاضة, وذلك من أجل توحيد مكاسب النضال, لأن الإنجازات المنفردة لا تخدم القضية الفلسطينية بل تشتت من أهدافها, كما يعطي الذريعة لإسرائيل لمواصلة اغتصابها للأراضي الفلسطينية. ويتضح ذلك في حرب غزة الأخيرة, فعلي الرغم من إدعاء حماس بأنها هي المنتصرة, فإن ذلك يعد صحيحا في جانب واحد, وهو ترسيخ شرعيتها داخل القطاع, إلا أنه في الوقت نفسه من الصعب تحديد ماهية الفوائد التي عادت علي القضية الفلسطينية من تلك الحرب, سوي خراب وتدمير القطاع, كما لم تساهم صواريخ المقاومة في وقف الاستيطان أو منع الاعتقالات؟!. وعلي الجانب الأخر فإنه من الصعب أيضا قياس الفوائد الفعلية التي عادت علي القضية الفلسطينية من جهود السلطة الفلسطينية, وحصول فلسطين علي صفة دولة مراقب في الأممالمتحدة, خاصة وأنه علي أرض الواقع لا يوجد أي مظاهر سيادية لتلك الدولة, مع ضياع أي ملامح لدولة فلسطينية مستقبلية بفعل التوسع الاستيطاني, خاصة ما يتعلق بالمنطقةE1. وذلك يعني ضرورة التوصل إلي مصالحة وطنية تتضمن صياغة استراتيجيات موحدة للمقاومة, يتم توظيفها لخدمة القضية الفلسطينية, بما يضمن حدوث تواصلا بين غزة والضفة, لأنه في حالة اندلاع الانتفاضة دون اتمام المصالحة, فإنه من غير المتوقع أن تقوم المقاومة في غزة بمؤزارتها, خاصة في ضوء الهدنة المبرمة مع إسرائيل, والتي لا تستطيع حماس اختراقها, كما هو حادث منذ اللحظات الأولي من توقيعها وانتهاك إسرائيل لها, حيث أن إعادة إطلاق الصواريخ من غزة سوف تحرج حليفها الإخواني في مصر الذي توصل إلي تلك الهدنة بوساطة تركية قطرية وبمباركة أمريكية وإشادة أوروبية. أي أن دور المقاومة في غزة في حال اندلاع الانتفاضة, سوف ينحصر في التظاهر الشعبي والدعم المعنوي, وذلك ربما يساهم في تفسير نجاح الهدنة في تطويق المقاومة. وتلك فرصة أمام إسرائيل من أجل تهجير المزيد من الفلسطينيين من الضفة, وفي تلك الحالة ستكون القضية الفلسطينية هي الخاسر الرئيسي. وعلي الرغم من أن المصالحة تعد شرطا ضروريا قبل أي انتفاضة, إلا أن الأجواء التصالحية السائدة مؤخرا بين حماس وفتح, لا تعد دليلا علي إنهاء الإنقسام الذي هو بحاجة إلي إثبات فعلي من جانب كل من السلطة الفلسطينية, وقادة الفصائل, والتي تتطلب التنازل عن المصالح الشخصية الضيقة, والتصدي للضغوط التي تمارسها أطرافا خارجية من أجل منع تلك المصالحة, لتحقيق مصالحها السياسية في المنطقة. فبالنسبة للسلطة الفلسطينية, فإنها تواجه ضغوطا أمريكية إسرائيلية, في ظل تقاعس عربي خليجي عن مؤازرتها. كما أن حماس وفصائل المقاومة الأخري, أمامها تحدي إعادة القضية الفلسطينية إلي عروبتها وتحررها من التبعية الإيرانية التي توظفها حينما تريد لتحقيق مآربها, حيث أن إيران لا تقدم شيء بدون مقابل, وأن ذات الأسلحة التي تزود بها فصائل المقاومة التابعة لها في غزة( حماس والجهاد الإسلامي واللجان الشعبية) تقوم بتزويد النظام السوري بها, من أجل قتل الشعب هناك, حفاظا علي نظام الأسد. تلك الازدواجية التي ساهمت في الكشف عن حقائق الدور الإيراني في المنطقة.