قال لي أحد سفراء الدول الكبري: شكرا لحكومتك.. إنها تمنحني دعما في البنزين لا أحصل عليه في بلدي. وهو هنا يعبر بوضوح عن الدعم المستباح في البنزين ليس فقط له ولكن المهم أن ثلثي دعم البنزين يذهب إلي الأغنياء. وهنا يطل علينا السؤال التقليدي الممل المكرر والمتكرر منذ سنوات: هذه حقيقة, ولكن ماذا نفعل حتي يصل الدعم إلي مستحقيه؟ هل هي معضلة؟ بالقطع ليست مستحيلة, هل هناك مستحيل في تنظيم عملية دعم الغاز الطبيعي مثلا بحيث يصل إلي مستحقيه؟ إن الحل في غاية السهولة, هناك مناطق مرتفعة الدخل مثل المهندسين والزمالك ومصر الجديدة وجاردن سيتي والمنتجعات الراقية والفيلات حول ملاعب الجولف التي تستخدم الغاز الطبيعي الرخيص في تسخين حمامات السباحة ومن ثم من الممكن محاسبة الغاز الطبيعي فيها بدون دعم والابقاء علي سعره المدعم علي الأحياء ذات الدخل المحدود كالسيدة زينب وشبرا وامبابة وحلوان وتوابعها وغيرها. ومن المؤكد ان هناك حصرا ميدانيا لمثل هذه الأحياء كلها إن لم تكن الضريبة العقارية فعلته فانه لدي الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء. وكذلك الغاز الذي تستخدمه الفنادق والمطاعم والمقاهي ومصانع الأسمنت والأسمدة. اننا يجب ان نعلم شعبنا ألا يأخذ إلا ما يستحقه فعلا وألا يستحل لنفسه ما ليس من حقه. وعودة إلي مسألة البنزين حيث تصل قيمة الدعم فيه إلي5.7 مليار جنيه تمثل17% من إجمالي الدعم الذي تحصل عليه الطاقة يضاف إلي ذلك حقيقة أخري مفزعة هي أن دعم المنتجات البترولية يبلغ أكثر من65 مليار جنيه, وهي نحو ثلاثة أرباع قيمة الدعم كله الذي تتحمله الدولة. والأخطر من ذلك ان ثلثي دعم الطاقة يذهب إلي الأغنياء, وهنا تكمن المعضلة فإذا كان من الممكن تنقية الدعم ووقف استحلال الأغنياء له فسوف يتوافر للدولة مبالغ هائلة تستخدمها في إصلاح هيكل الأجور الحكومية, أو اصلاح التعليم المتدهور, أو اصلاح الشئون الصحية التي تحتاج الكثير. هناك حقائق أخري في مسألة البنزين أيضا ينبغي وضعها أمام أعيننا حين نتحدث عن دعمه حيث يصل إلي46% من قيمة لتر بنزين92, وهو ما يستخدمه الأغنياء, بينما يصل في بنزين90 حوالي36%, ومصر هي الدولة التاسعة في العالم في دعم البنزين. اذن هذه هي القضية باختصار, رقم ضخم لدعم البنزين يصل إلي الجميع بغير استثناء, ويستخدم في جميع الأغراض من الذهاب والعودة إلي العمل إلي السنكحة ليلا ونهارا إلي قطع طريق مارينا رايح جاي يوميا واسبوعيا إلي استهلاك ضائع في مرور مخنوق. والسؤال هنا الذي يجب ان يواجه بجدية وحسم وبغير تردد ماذا نفعل؟ ماذا نفعل حتي يصل دعم البنزين إلي مستحقيه ونستبعد الأغنياء منه؟ إن مخاطر هذه القضية ليست الآن فحسب, ولكنها سوف تتضخم في المستقبل بشكل أكثر حدة مع زيادة دخول الأغنياء وزيادة ما لدي الأسرة الواحدة من سيارات وزيادة السعات اللترية للسيارات, والتوسع في استخدام السيارات الفارهة. إن دعم البنزين اذا بقي علي حاله فسوف يتزايد, وسوف يستفيد منه الأغنياء أكثر وأكثر لأن الطبقة الغنية تتمدد وتتعمق في الاستهلاك الترفي. الحلول بسيطة وعملية.. والمعيار هنا هو السعة اللترية لموتور السيارة. أحد هذه الحلول هي الكوبونات اذ يمكن تحديد كمية معينة من لترات البنزين تمثل متوسط استهلاك السيارة, فمثلا السيارات وغيرها من المتحركات ذات السعة اللترية أقل من1300 سي سي تحصل علي كوبونات بمقدار100 لتر شهريا مدعمة, أما الفئة1600 1800 سي سي فتحصل علي مثلا75 لترا مدعمة شهريا, والفئة2000 سي سي فما فوق فإن امامها طلمبات البنزين غير المدعم تسحب منه ما تشاء وتتحمل قيمة البنزين بأسعار السوق وغير مدعمة. هناك حل آخر, فمثلا اذا كان متوسط استهلاك السيارة من البنزين150 لترا في الشهر وسعر بيع اللتر175 قرشا للبنزين92, وأن نسبة الدعم46% فيه فإن قيمة الدعم الذي يحصل عليه المواطن من السعر الحر, وليس المدعم تبلغ230 جنيها شهريا, وهنا يمكن عند الغاء دعم البنزين وترك سعره حرا أن يحصل كل مالك سيارة أو مركبة سعتها اللترية أقل من1300 سي سي علي مبلغ يصرفه شهريا يبلغ200 جنيه, وذلك باستخدام البطاقات الذكية ومن كافة منافذ البريد أو يتم تحويله( كالمعاشات) إلي البنوك وفروعها. ويتم تجديد هذه البطاقة مع كل تجديد للترخيص وفي حالة بيع السيارة تنتقل إلي المالك الجديد. هل يعقل ترك سيارات التاكسي تتجول بحثا عن زبون وتحرق آلاف لترات البنزين دون مبرر؟ هل من الصعب تنظيم مواقف لها في الشوارع حتي يتوافر هذا الاستهلاك الضائع من البنزين؟. ومن الممكن أيضا الابقاء علي اسعار البنزين كما هي دون أي زيادة, وتحصيل قيمة الدعم مباشرة من ملاك السيارات ذات سعة لترية1600 سي سي فما فوق من خلال زيادة قيمة تراخيص السيارات سنويا بمبالغ تتراوح ما بين1500 أربعة آلاف جنيه وفقا للسعة اللترية للسيارات. غير أن كل ذلك مشروط بعوامل أخري منها علي سبيل المثال تصفية السيارات القديمة التي تجوب البلاد ويزيد عمرها علي25 عاما, وهي أكبر مستهلك للبنزين وأكثر السيارات تلويثا للبيئة, أيضا تسهيل تحويل السيارات من البنزين إلي استخدام الغاز الطبيعي, والتوسع في استخدامه وأن يشعر المواطن بالعدالة الاجتماعية حين يتحمل الأغنياء قيمة البنزين غير المدعم ووصول البنزين المدعم إلي مستحقيه, واستخدام الوفر في تحسين احوال التعليم والصحة وهيكل الأجور. وقد يري البعض أن تحرير سعر البنزين وتوجيه الدعم إلي من يستحقه سوف يولع الاسعار وربما يكون ذلك صحيحا وجزئيا, ومن ثم فإن هناك عددا من الاحتياطيات الضرورية التي ينبغي علي الدولة اتخاذها قبل تقرير هذا التحرير, ومنها علي سبيل المثال توفير شبكة للمواصلات العامة واستخدام مواقعها لتوزيع السلع وهي كثيرة في كل أرجاء مصر, وأن يهتم بها وزير الاستثمار التابعة له حيث يمكن ان تلعب دورا رئيسيا في استقرار الأسواق والاسعار وأخيرا هذا ما لدينا؟ فهل هناك آراء أخري لوضع نهاية لأسطورة دعم البنزين المستباح والذي يذهب إلي محركات القادرين؟ هاتوا ما عندكم من أفكار جديدة.. [email protected] المزيد من مقالات عصام رفعت