هدوء شديد يخيم على محطة البنزين موبيل المطلة على شارع جمال عبدالناصر بمدينة كفرشكر بالقليوبية. يجلس العاملون فى المحطة تحت ظل شجرة كما تعودوا منذ أيام، دون عمل. تدخل سيارة لادا ملاكى، ويسأل السائق عن بنزين 90. «ما فيش بنزين، فوت علينا بكرة ولا بعده، يمكن يكون موجود». يتواصل السؤال عن بنزين 80 المختفى أيضا. هنا فقط ينتهى الهدوء، «مش فاهم بقى لى أسبوع بسأل وتقولوا لى أفوت بكرة، إيه اللى بيحصل خلاص هتزودوا السعر؟»، ويعلو الصوت. لا يتلقى جوابا من العاملين الذين يندفع واحد منهم ليفوز باستقبال سيارة يطلب صاحبها بعض أعمال النظافة. منذ عشرة أيام أعلنت محطتا البنزين بالمدينة عدم وجود بنزين 90 نهائيا. بعض الأيام كان يتوفر بنزين 80 أو 92 ولكن فقط نوع 90 هو الذى صمم على الاختفاء. «أنا أفهم إن 80 فيه مشكلة بما إنه رخيص، طيب 90 بيختفى ليه؟» يسأل عبدالله سائق اللادا وهو يبتعد عن المحطة، فمنذ سنتين تم رفع السعر بنسبة 35%. السؤال أيضا يدور فى ذهن الحاج محمد نوار مدير المحطة. منذ 15 عاما، هى عمر محطته، لم يحدث ذلك. لا يجد تفسيرا عند مستودع مسطرد أو الماكس، مصدر البنزين بالنسبة له. نوار اتخذ جميع الإجراءات الاحتياطية. اشترى عربة خاصة حتى لا يقع تحت رحمة عربات الشركة غير المضمونة، وأودع رأس المال اللازم للشراء فى وقت مبكر. «كل ما أسأل يقولوا ما فيش، استنى وما حدش عارف السبب». فى أغلب الأوقات يحدث تأخير يفسره نوار، بسياسة سوء التوزيع التى تتجاهل الأقاليم والمدن الصغيرة لصالح المناطق الأكثر حيوية. هو يتوقع أن تكون أزمة 90 أقل فى بنها، عاصمة الإقليم، وغير موجودة من الأصل فى القاهرة، عاصمة العواصم. «لو نوع واحد مش موجود فى القاهرة مثلا، الأزمة تظهر فى الصحافة، لكن هنا يقولك مين يسمعهم، إيه يعنى لما العربيات تقف فى كفرشكر؟». خبير البترول إبراهيم زهران لا يقتنع بسياسة سوء التوزيع، «ما يحدث فى كفرشكر بداية لبروفة أولى محفوظة تقوم بها الحكومة. تعطش السوق وتغلى الأسعار وتشوف السوق هايتعامل إزاى مع الأزمة». «90» بنزين الشعب مش الأثرياء، حتى العربيات الأجرة ماشيه بيه»، يوضح زهران عضو معهد بحوث البترول أن نصف ما تستهلكه السوق المصرية وهو 4 ملايين لتر سنويا، من نوع 90. الخبير الذى يؤكد غلو الأسعار جميع أنواع البنزين بعد انتخابات الشورى، يرى أن بنزين 90 هو أكثر الأنواع التى سوف يصاحبها زيادة فى الأسعار، «وفى الحالة دى الناس هاتفضل تشترى 80 باعتباره الأرخص، ويقل الطلب على 90 بالتدريج». منذ يومين استطاع الحاج نوار أن يحصل على كمية من بنزين 92، الذى يزيد ثمنه عشرة قروش عن نوع 90، ويقل جنيها كاملا عن بنزين 95. «كل الأنواع دى اختراعات مصرية، فرق الأسعار لا يساوى فرق الجودة البسيط». لا يوجد بالبوصة العالمية نوع أقل من 95 بسعر يقل عن الموجود فى السوق المصرية. «مش معنى كدا إن الحكومة تلغى الأنواع الموجودة وتخلى 95 بس بدعوى حماية البيئة والجودة»، فلو حدث هذا فى رأى الخبير فسوف يكون فقط «امتدادا لمسلسل جباية الأموال الذى يحكم تعامل الحكومة فى طرح أنواع البنزين فى السوق». معمل مسطرد هو الوحيد فى مصر الذى يقوم بتحويل المادة الخام للأنواع المعروفة بطريقة آمنة، أما الوسيلة المتبعة فى مصر والتى توقف العالم عن استخدامها منذ 25 عاما، «فهى إضافة مواد كيميائية سامة ومسرطنة تخرج فى هواء مصر، وبيحصلوا نفس النتيجة بملاليم، ويقولوا بدعم البنزين». زهران أوضح أن هناك دراسة تفصيلية أعدها جهاز تخطيط الطاقة بناء على طلب البنك الدولى، أكدت أن الدعم الفعلى المقدم للمنتجات البترولية لا يتعدى 10 مليارات جنيه، أما الباقى وقدره 31.5 مليار جنيه يتم يصرف على الغاز المصدر إلى إسرائيل وإسبانيا. على يسار محطة البنزين يركن عبدالله سائق اللادا بالقرب من لافتة كبيرة تعلن أحد أهالى باسم البلد التأييد للدكتور محمود صفوت محيى الدين وزير الاقتصاد ابن مدينة كفرشكر. يستوقف توك توك من الموقف القريب، «ودينى على أى مكان قريب أجيب منها بنزين». أصحاب العشش الصغيرة فى القرى المجاورة لا تصلهم الأزمة فى معظم الأحيان، ويبيعون لتر البنزين بزيادة تصل إلى 30 قرشا، «سوق سودا وما فيش عندنا حل تانى».