كان في الخامسة والخمسين من عمره, عندما كتب وصيته عام..1935 وأوضح فيها ان يتم دفن رفاته في إسرائيل, وكان الزعيم الصهيوني اليميني المتطرف فلاديمير جابوتونسكي آنذاك في كامل لياقته الصحية, ولم تمض خمس سنوات حتي أصيب بأزمة قلبية مفاجئة أودت بحياته وكان وقتها في مدينة نيويورك, ولم تنفذ وصيته إلا بعد خمسة وعشرين عاما, حين جرت مراسم دفن رفاته في إسرائيل. ولم يهتم بقبره سوي نفر من أنصاره كان من أبرزهم مناحم بيجين زعيم حزب الليكود اليميني المتطرف, ولذلك هرع عقب فوزه في انتخابات1977 بزيارة قبر جابوتونسكي. وكان هذا ايذانا بصعود الفكر الصهيوني المتطرف الذي يمثله جابوتونسكي وبيجين وأفول أفكار وسياسات حزب العمل الإسرائيلي الذي هيمن علي المشهد السياسي منذ عام1948 وحتي.1977 وكان جابوتونسكي قد ولد في أوديسا بروسيا عام1880, ومات والده بينما كان طفلا صغيرا, وكانت امه مولعة بكل ماهو الماني ويشير كاتب سيرته الذاتية إلي أنه لم يتأثر بطقوس الحياة اليهودية في طفولته وهذا ما يشير اليه الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان في محاولته للنيل منه وتصويره علي انه ضل طريقه منذ طفولته وصباه.. فلما عاد واعتنق الصهيونية صار مشاغبا, والأدهي انه كان يسعي لتنصيب نفسه الزعيم الأوحد للحركة الصهيونية وخاصة عندما زعم انه الوريث الروحي لهيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية السياسية. وكان ديفيد بن جوريون الذي صار أول رئيس لوزراء إسرائيل عام1948, من اكثر الزعماء الصهاينة الذين يجاهرون بمقت الأفكار السياسية والايديولوجية لجابوتونسكي وكان يحلو له دائما ان يطلق عليه فلاديمير هتلر بمعني انتسابه الي النازية التي روج لها النازي الالماني أدولف هتلر. وقد اطبقت عليه هذه السمعة السياسية السيئة ولم يعد في وسعه ان يفلت منها عندما قال عنه الزعيم الايطالي الفاشي موسوليني انه فاشي ومن ثم فهو الاقدر علي تأسيس الدولة الصهيونية. وكان جابوتونسكي قد أمضي في ايطاليا ثلاث سنوات من عمره, وذكر ان تأثيرها كان كبيرا علي تكوينه وتطوره الثقافي ويقول في ذلك وجدت في روما وطنا روحيا.. ان كل أرائي عن القومية والدولة والمجتمع قد تبلورت وتطورت في خلال السنوات الثلاث التي عشتها في ايطاليا وعاد بعد تلك السنوات الإيطالية إلي روسيا عام1901 ولاحت أمامه في الافق الروسي مشاهد العنف الدامي التي يتعرض لها اليهود هناك وتفتق ذهنه عن الحاجة الماسة الي تكوين قوة للدفاع عن اليهود وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولي كتب جابوتونسكي في مذكراته انه اهدر شبابه والسنوات الأولي من منتصف عمره واضاف قائلا ربما كان يتعين علي ان ارحل الي إسرائيل, او الفرار الي روما او البحث عن حزب سياسي انضم اليه ولم يفعل أيا من ذلك وانما عمل مراسلا متجولا لصحيفة موسكو وتوجه إلي الاسكندرية وهناك شاهد ترحيل السلطات التركية لمئات اليهود, والتمعت في ذهنه فكرة تشكيل فيلق يهودي يقاتل إلي جانب الحلفاء, غير ان السلطات البريطانية لم توافق علي فكرته واللافت للانتباه انه قبل شهرين من اصدار بريطانيا وعد بلفور وافقت الحكومة البريطانية علي تكوين فرقة من المتطوعين اليهود وكان جابوتونسكي صاحب فكرة الجدار الحديدي بين الصهاينة والعرب.. وهي فكرة طرحها عام.1923 وفي الوقت الذي تتجه فيه إسرائيل الي الانتخابات العامة تطفو علي السطح السياسي القوي والشخصيات اليمينية المتطرفة.. وهي تنتمي علي نحو أو آخر لفيلاديمير هتلر. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي