خلال الأسبوعين الماضيين عشت مع ثلاثة مصادر للمعلومات, الأول كان الكتاب الصادر من مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع والحامل لعنوان كنتم عايشين إزاي؟ للكاتب د. شريف قنديل والثاني كان التقرير الأولي الصادر من مركز معلومات. واتخاذ القرار والصادر بعنوان مسح للشباب في مصر والمصدر الثالث اتسع ليشمل المناظرات الثلاث التي عقدت قبل انتخابات6 مايو البريطانية للمرة الأولي بين المرشحين الثلاثة جوردن براون عن حزب العمال وديفيد كاميرون عن حزب المحافظين ونك كلينغ عن حزب الديمقراطيين الأحرار. وهو الحزب الذي نجح في الحملة الانتخابية الأخيرة في خلخلة صفوف الحزبين التقليديين ليحتل مكانا بينهما وانصب اهتمامي علي واقع وتحرك الشباب في المصادر الثلاثة وعلي تلك الفجوة التي تفصل بينهم وبيننا, نحن المنتمين للأجيال التي كانت. من المصدر الأول تعرفت من د. شريف قنديل علي تفاصيل رده علي السؤال الذي تلقاه من نجله حسين عندما عرف أن والده, أي د. شريف عاش مرحلة لم يوجد فيها التليفزيون ولاعدد آخر من وسائط الاتصال الحديثة والتي تحتل مكانا بارزا في حياتنا لذا طرح حسين الابن بسؤاله الذي يطرح علي كل آباء وأمهات سنوات ماقبل التليفزيون ومارافقه من كافة التطبيقات التقنية التي هي جزء من الحياة اليومية لشباب اليوم والسؤال هو كنتم عايشين إزاي. طاف د. شريف رحلة تاريخية بدأها منذ50000 عام قبل الميلاد مستعيرا, فكرة الكاتب أحمد علي بدوي الذي افترض جدلا أن متوسط عمر الإنسان استمر دائما حول الستين عاما وأن كل من عاش من بني الإنسان قد اصطف الواحد بعد الآخر في سلسلة محكمة, تبدأ حياة كل واحد منهم عندما تنتهي حياة الإنسان الذي قبله ثم تنتهي حياته عند بداية حياة اللاتي بعده. بحسبه بسيطة فسوف نجد أن هذه السلسلة من البشر ستتكون من800 إنسان ثم ربط د. شريف التطور التقني بالترتيب العددي للإنسان. ثم عرفنا د. شريف أن الإنسان من عدد796 إلي الإنسان الأخير الحامل لعدد800, شهد كل هذا التحول العلمي من افكار ونظريات علمية وفلسفية وأن الرقمين الأخيرين799 و800 شهدا أكبر عدد من التطبيقات التقنية لكل نواحي العلم السابقة. ولكن يستمر الإنسان رقم800 هو الذي يعاصر ويستخدم ويطور آخر تلك التطبيقات التقنية التي جعلت أولادنا يسألون كنتم عايشين إزاي وفي رحلة بسيطة يستعرض الكاتب قصة تطور وسائط الاتصال من عام3500 قبل الميلاد إلي يومنا الحالي بادئا بنقل الرسائل شفويا ثم مع الخيالة عبر محطات برية إلي استخدام الحمام الزاجل إلي البريد والتلغراف وساعي البريد وصولا إلي الشبكة العالمية التي باتت وسيلة ليس فقط للتعارف المباشر وإنما كذلك للزواج وإقامة الأسر بين الشباب. نستشعر من هذه الرحلة الإنسانية الطويلة التي شهدت نهاياتها كثافة في التقدم التقني, كيف بدأنا نحن نسأل أولادنا إيه اللي أنتم بتعملوه مقابل سؤالهم كنتم عايشين إزاي؟ إذا فهي الفجوة الثقافية والفكرية التي صنعها هذا التسارع التقني الرهيب فجوة تفصل بين من عاش ماقبل التليفزيون وبين من يستخدم الWWW. ويمكن ملاحظة هذه الفجوة التي لاتفصل بيننا وبين الشباب كأفراد فحسب وإنما تلك الفجوة التي تفصلهم عن كل ماهو تقليدي في مجتمعاتهم التي هي مجتمعاتنا لقد شكلتهم استخداماتهم التقنية هذه بحيث باتوا جزءا من عالم أكبر وأكثر اتساعا من كل ماهو موجود في مجتمعهم المحلي. هم جزء من كيان كبير في حين أننا جزء من مؤسساتنا الحزبية والنقابية ونوادينا ومنظماتنا المدنية ومجالس آباء مدارسنا. وهي كلها مؤسسات تقليدية تنتمي نشأتها إلي مرحلة ماقبل التليفزيون اتسعت مداركهم وخاصة السياسية العامة وتعولمت في حين استمرت المنظمات المجتمعية التقليدية التي تربينا نحن فيها غير واعية لكل التحولات الكبيرة الحادثة وبالتالي باتت غير قادرة علي استيعابهم وتحمل اختلافاتهم معنا ومعها لذلك تركها الشباب وكونوا فيما بينهم عالمهم, وهو بالقطع ليس بالعالم السييء. لكنه العالم الذي لانعرفه نحن بالكامل لأن توجهاتنا العامة. بالرغم من أن بعضنا تعرف علي هذه التقنية واستخدمها, لاتزال تنتمي إلي عصر ما قبل التليفزيون وعلي حد تعبير الكاتب د. شريف قنديل, تنتمي إلي عصر هيئة التحرير والاتحاد القومي. وجاء المصدر الثاني لمعلوماتي عن الشباب وواقعهم وتوجههم مؤكدا ذلك جاءت نتائج البحث بالعينة الذي أجراه مركز المعلومات واتخاذ القرار بمجلس الوزراء مشيرا إلي أن نسبة2% فقط من شبابنا ينخرط في العمل التطوعي وأن5% فقط منهم منضم لأحزاب سياسية ومراكز شباب ومنظمات مجتمع مدني ونقابات ونواد عامة, وهي المؤسسات التقليدية التي تربينا نحن فيها, وأن نسبة16% من شبابنا المسجل في جداول الانتخابات أدلي بصوته في الانتخابات الاخيرة, أما بالنسبة للانتخابات القادمة سواء كانت لمجس الشوري أو لمجلس الشعب فإن نتائج العينة توضح أن ثلث الشباب المنتمي للطبقة الوسطي ينوي المشاركة فيها في حين لن يشارك في التصويت فيها إلا ربع الشباب المنتمي للمناطق الفقيرة أما فئة شباب الطبقات الغنية فلن تشارك في الانتخابات القادمة إلا نسبة27%. ثم جاء المصدر الثالث من لندن عاصمة المملكة المتحدة التي تبنت ولأول مرة فكرة عقد المناظرات السياسية العامة والمذاعة مباشرة علي العالم بين الأحزاب وبين قادتها كجزء من الحملة الانتخابية البرلمانية وبذلك انتقلت الفكرة الأمريكية التي بدأها جون كندي وريتشارد نيكسون في انتخابات الرئاسة عام1960 وتحولت إلي تقليد سياسي أمريكي يبث محليا وعالميا, إلي القارة الأوروبية, وهنا وفي هذه المناظرات السياسية استشعرت الشباب مرتين: الأولي, عندما حضر الشباب بأعداد ملحوظة وبتنوع عرقي في المناظرات وفي طرح الأسئلة علي المتنافسين الثلاثة. دارت الأسئلة عن الوظائف وفرص العمل وعن الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلي المملكة المتحدة وعن موقف الأحزاب الثلاثة من زيارة بابا روما إلي المملكة المتحدة بعد تداول فضيحة الاعتداءات الجنسية لبعض القساوسة الكاثوليك علي الأطفال. الثانية, عندما تابعت بعض المدونات وقرأت رد فعل الشباب علي المظهر السياسي العام لهذه المناظرات التي كثيرا ماقيل عنها أنها تقليد أمريكي يصعب تكراره. وحملت المدونات تعليقات في غاية الحيوية والوعي والسخرية. هنا يمكن التعرف علي آثار هذا التطور التقني الكبير الذي أحاط بالإنسان رقم800, وكما أوضحه د. شريف قنديل, وجعله يبتعد عن تلك المؤسسات التقليدية التي لم نستطع تطويرها وتطويعها لتلائم هذا التطور, لنحصل في النهاية علي نتائج المسح الذي أجراه مركز المعلومات وصنع القرار في فبراير عام2010. أما في المناظرات البريطانية فقد ظهر الشباب وكأنه يتمرد علي الحزبين التقليديين وربما يكون السبب في الحراك الذي صعد من الديمقراطيين الأحرار, ولكن بأسلوبه غير التقليدي أي أسلوب مرحلة مابعد التليفزيون وتوابعه التقنية. المزيد من مقالات أمينة شفيق