لا أدري ما هو السر الذي جعل الحكومة تدفع بكل هذا الكم من التشريعات علي مجلس الشوري, ونحن قاب قوسين أو أدني من انتخابات مجلس النواب, وهو المجلس المعني بالتشريع وصاحب الحق الأصيل فيه, وبالتالي فما هو الداعي لأن تطرح الحكومة70 تشريعا مختلفا للنقاش تمهيدا لطرحها علي مجلس الشوري لمناقشتها وإصدارها طبقا لما نشرته جريدة الأهرام في صدر صفحتها الأولي يوم الثلاثاء في الأسبوع الماضي. تنازل د. محمد مرسي رئيس الجمهورية عن صلاحيته التشريعية لمجلس الشوري خطوة رائعة ولكن يجب أن يتعامل مجلس الشوري مع هذا الأمر علي أضيق نطاق.. بمعني أن يقتصر دور مجلس الشوري التشريعي علي التشريعات العاجلة والمهمة فقط مثل قوانين الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية وبعض القوانين الأخري العاجلة والتي لا تحتمل التأجيل, وغير ذلك فإن الإسراف في استخدام هذا الحق بدعوي ضرورة مراجعة بعض القوانين لتتوافق مع الدستور الجديد أمر مبالغ فيه, وغير ضروري, ويثير العديد من علامات الاستفهام علي الغرض من ذلك, لأن المادة222 من الدستور تنص علي أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور يبقي نافذا, ولا يجوز تعديلها ولا إلغاؤها إلا وفقا للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور.. بمعني أن كل القوانين الحالية تظل قائمة لحين إصدار القوانين البديلة, ولكي تصدر القوانين الجديدة مستكملة الأركان فلابد أن تأخذ حقها من النقاش المجتمعي, وأن يصدرها البرلمان بشقيه النواب والشوري حتي تتاح الفرصة للمزيد من المناقشات والإضافات, ولكي تخرج القوانين الجديدة غير معيبة, وغير مسلوقة. لقد أكد د. أحمد فهمي رئيس مجلس الشوري في الجلسة الافتتاحية التي حضرها رئيس الجمهورية بعد إقرار الدستور أن مجلس الشوري لن يصدر تشريعا إلا بعد التأكد من أنه يصب في خانة المصلحة العامة, غير أن الحكومة فاجأت الرأي العام بتلك العاصفة التشريعية التي بلغت70 تشريعا دفعة واحدة ومنها تشريعات سياسية وأخري تخص الإعلام والصحافة وثالثة تخص الاقتصاد ومختلف المجالات الأخري. فيما يخص التشريعات الصحفية والإعلامية مثلا فإن هذه التشريعات لابد أن تأخذ حقها من النقاش والدراسة أولا وأن يشارك فيها أصحاب الشأن من الصحفيين والإعلاميين ثانيا وأخيرا وهذا هو الأهم أن تقوم الحكومة بدعوة نقابة الصحفيين لوضع تصوراتها في تلك المشروعات باعتبارها الجهة التي تمثل كل الجماعة الصحفية, وهي الأدري بشئون الصحافة والصحفيين ومن غير الطبيعي أن يتم مناقشة قانون لتداول المعلومات أو غيره بعيدا عن الصحفيين ونقابتهم. الجماعة الصحفية لا يمكن أن تنسي أبدا موقفها الموحد والرائع حينما صدر القانون93 المعيب والسيء السمعة والذي تبنته الحكومة آنذاك وأصدرته في غيبة نقابة الصحفيين والجماعة الصحفية, فما كان من الصحفيين إلا أن وقفوا علي قلب رجل واحد تحت مظلة نقابتهم حتي أسقطوا ذلك القانون المشبوه, واستبدلوه بالقانون96 لسنة1996 الحالي, القوانين الإعلامية الجديدة وما يستتبعها من ميلاد كيانات جديدة سواء المجلس الوطني للإعلام أو الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام تحتاج إلي مناقشات مستفيضة ومتأنية, وليس هناك مبرر واحد للتعجل في هذه المجالس, ويجب الانتظار لما بعد انتخابات مجلس النواب ليشارك هو ومجلس الشوري في إصدار هذه القوانين وإنشاء الكيانات الجديدة, بعد التباحث والمشاركة مع نقابة الصحفيين صاحبة الحق الأصيل في الموافقة علي تلك القوانين, وإلا فإن الحكومة تكرر خطأ الحكومة السابقة حينما أصدرت قانونا مشوها وهو القانون93 الذي رفضته الجماعة الصحفية كلها بل ورفضه المجتمع كله حتي تم إسقاطه واستبداله بالقانون الحالي. ما نريده هو أن تتأني الحكومة في الدفع بالمزيد من التشريعات في الوقت الحالي, وحتي يستكمل البرلمان غرفته الأساسية مجلس النواب من أجل أن تخرج القوانين المقترحة في مختلف المجالات, وقد أخذت حقها من النقاش والدراسة, وإلا ما فائدة انتخاب مجلس نواب جديد؟! المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة