هذه ليست قصة شاب مصري هاجر إلي المانيا هربا من الظروف الطاردة لأي موهبة والمعادية لأي نجاح قائم فقط علي بذل الجهد واحترام قيمة العمل بدون واسطة او محسوبية,ولكنها مأساة طبيب مصري شاب ونابغ حقق نجاحا منحه تقدير الألمان والدوائر العلمية في انحاء العالم . ثم عاد بمحض إرادته إلي مسقط رأسه في صعيد مصر لمساعدة آلاف المرضي فوجد نفسه يواجه تحديا اكبر من نقص الإمكانيات المالية والطبية يتجسد في عادات الثأر الجاهلية والتي لم يعد لها وجود سوي في المجتمعات الهمجية كما يقول.. الدكتور سامح عبد الرحمن هو استاذ مساعد جراحة القلب والصدر بكلية الطب جامعة اسيوط ولكنه لا يستطيع ان يعود إلي جامعته ليفيد طلبتها بما تعلمه واكتسبه من خبرات في المانيا كما كان يرغب دائما, فهو مضطر أن يبقي في المانيا حيث يعمل اليوم جراحا للقلب بمركزجراحات القلب والصدر في كلية الطب بجامعة فورتسبورج الألمانية وحيث يلقي تقديرا بالغا في اوساط جراحة القلب الألمانية. نشأ الطبيب المصري في اسرة متوسطة الحال باسيوط بالصعيد لأب يعمل بالتعليم وام تغرس في أبنائها قيم احترام العمل والكفاح من اجل تحقيق الأهداف, وجاء بعد تخرجه في جامعة اسيوط إلي المانيا عام2000 بمنحة تخصصية من الحكومة الالمانية فعمل مباشرة بمركز جراحة القلب بجامعة هانوفر وهو احد اكبر مراكزجراحة القلب في المانيا والعالم حيث حصل علي الدكتوراة في جراحة القلب وعمل لمدة اربع سنوات مساعدا للجراح الألماني الشهير بروفسور هافاريش, اشهر جراحي القلب في المانيا ورئيس جمعية جراحي القلب الألمان سنوات طويلة. وخلال هذه الفترة اجري الجراح المصري بحثا مهما للغاية لاقي اصداء عالمية اثبت من خلاله ان متوسط اعمار المرضي المصريين الذين يعانون من أمراض تصلب شرايين القلب تقل نحو10 سنوات كاملة عن المرضي الالمان والاوروبيين عموما وان المرضي المصريين يعانون من جلطات القلب في سن مبكرة, كما اثبت تاثير الأمراض المصاحبة وخاصة مرض السكر المنتشر بين المصريين فضلا عن الضغط العصبي والنفسي المتواصل الذي يعيشون فيه, علي نتائج عملية توصيل الشرايين التاجية للقلب. واثارت نتائج البحث اهتمام الدوائر العلمية العالمية فانهالت عليه الدعوات من مختلف الجامعات في دول العالم لإلقاء محاضرات عن نتائج ابحاثه التي تحتل ترتيبا متقدما في الأبحاث المتخصصة في هذا المجال في العالم كما استشهد بها الدكتور احمد زويل في أحد حواراته التلفزيونية. كذلك افردت صحيفة بيلد- اشهر صحيفة المانية- تقريرا مفصلا عن مركز جراحات القلب المرموق في هانوفر وعن الجراحين العاملين فيه من مختلف الجنسيات تحت قيادة بروفسور هافاريش وفي مقدمتهم الدكتور سامح عبد الرحمن. ولكن الطبيب المصري قرر عام2004 العودة إلي مصر ليفيد بلده خاصة اهل الصعيد رغم تمسك المركز به ومع إصراره علي الرحيل ارسل البروفسور الالماني خطابا لجامعته في مصر كتب فيه'.. نتمني ان تنتفع به بلده وبما تعلمه هنا في المانيا وان كنا غير مرحبين برحيله عنا'. وفي اسيوط بدأ الطبيب بحماس مشروعا طموحا لجراحة القلب بمستشفي الجامعة واجه خلاله الصعوبات المتوقعة مثل البيروقراطية ونقص الإمكانيات وذلك بهدف واحد وهو مساعدة المرضي وإرساء وتثبيت جراحة القلب في قلب صعيد مصر الذي يعاني من نقص هذا النوع من الجراحات, فكان اول جراح يقوم بعمليات توصيل الشرايين التاجية للقلب في جامعة اسيوط, واول من يقوم بعمليات قلب مفتوح للمرة الثانية والثالثة لنفس المرضي بإمكانيات ضعيفة للغاية بنسبة نجاح100% حتي بلغت فترة إنتظار المرضي للعمليات ستة اشهر. غير انه فجأة اضطر إلي حزم امتعته والعودة إلي ألمانيا راغما مرغما بعد ان تلقي تهديدات بالقتل بسبب خلاف عائلي وثأر' بايت' لا علاقه له به سوي كونه احد افراد العائلة المطلوب الثأر منها. ويقول الطبيب الشاب ان له اربعة إخوة كانوا يعيشون في بلدة اخري بعيدة عنه وشاء القدر ان يدخل احدهم في نزاع حول ري قطعة ارض يملكها فكان مصيره القتل ثم بعد فترة قتل شخص من العائلة الأخري ودارت دائرة عادة الثأر المتخلفة بعيدا عن طائلة القانون, ويؤكد الطبيب الشاب انه كان يعيش ويعمل بعيدا عن هذا كله ولا علاقة له به سوي صلة القرابة حتي فوجئ بتهديدات له بالقتل من افراد العائلة الأخري.. وهكذا حزم الدكتور سامح امتعته بين ليلة وضحاها خوفا علي حياته تاركا مشروعه الطموح وعاد عام2007 إلي المانيا ليجد الابواب كلها مفتوحة في انتظاره فعمل بمركز جراحة القلب بجامعة هايدلبرج العريقة قبل ان يستقر به المطاف في مركز جراحات القلب في فورتسبورج الذي تجري فيه نحو1200 عملية جراحة قلب مفتوح وزرع قلب سنويا. ويؤكد الجراح المصري انه لا يزال يأمل في ان تستفيد بلده من النتائج الحديثة للدراسات التي يشارك فيها في المانيا واحدثها يمنح املا جديدا لمرضي صمامات القلب في مصر خاصة مرضي الصمام الميترالي وعددهم لا يحصي حيث انه اكثر امراض القلب شيوعا في مصرويتأثر به للاسف الشباب في سن15 وحتي الاربعين بسبب الحمي الروماتيزمية التي التي تعد اهم اسباب المرض وتؤثر بشكل مباشر علي صمامات القلب خاصة الصمام الميترالي وتؤدي لضيق وارتجاع فيه. وفي السابق, كما يقول الدكتور سامح, كان العلاج يتم من خلال استبدال الصمام باخر ميكانيكي او بيولوجي وهي عملية مصحوبة في الحالتين بمضاعفات خاصة الصمام الميكانيكي الأكثر استعمالا في مصر, ولابد معه ان يتناول المريض ادوية لسيولة الدم طيلة العمر وهو ما يؤثر خصيصا علي النساء اثناء الحمل وعلي الأجنة, في حين أن الصمام البيولوجي يتعين استبداله كل10 سنوات. ويضيف قائلا, العالم يلجأ حاليا لإصلاح الصمام الميترالي وليس استبداله وهو ما نقوم به في فورتسبورج من خلال استبدال الخيوط المثبتة للصمام بعضلة القلب بخيوط صناعية من مادة الجورتكس وهي مادة مرنة للغاية تتحمل إنقباض وانبساط عضلة القلب ما يجعلها تتحول بعد فترة قصيرة إلي ما يشبه الخيوط الطبيعية واثبتت النتائج هنا نجاح الخيوط في علاج ارتخاء الصمام الميترالي الناتج عن الحمي الروماتيزمية المنتشر في مصر, ما يضمن لآلاف المرضي المصريين حياة طبيعية بدون ادوية سيولة دم وبدون استبدال صماماتهم. ويتمني الجراح المصري ان يتمكن يوما ما ان يعود إلي الصعيد للقيام بهذه الجراحات الحديثة خدمة لابناء بلده, ومن خلال الاهرام يطالب الدكتور سامح عبد الرحمن ان تتبني الدولة مشروعا لمكافحة عادة الثأر المتخلفة في صعيد مصر ويقول ان كثيرين من اصحاب العقول والموهبة هجروا مصر رغما عنهم وبدون ذنب سوي نشأتهم في مجتمع يعيش فيه البعض بعقلية ما قبل الإسلام, فاثروا المجتمعات الغربية بفكرهم وجهدهم وعملهم الدءوب وخسرت مصر كثيرا بسبب هذه العادات المتخلفة التي لا تمت بصلة للعالم المتحضر وفي ظل غياب الأمن والقانون, وإذا كنا نعيش في دولة مفترض انها إسلامية ونتحدث كثيرا اليوم بالذات عن الإسلام فإننا نفعل ذلك دون فهم واضح لمبادئه ومعانيه ولا نطبق ما نتحدث عنه فالواقع اننا نتمسك بمظاهر ولا نطبق شيئا من جوهر الدين.