تنتهي التأسيسية من الدستور فيتقدم مستشارون ومساعدون للرئيس بطلبات الاستقالة, ويزف الرئيس للشعب دستور الجمهورية الثانية بأرقام تبشر بالأمل أعدها وزراؤه, فيشكك فيها البنك المركزي نهاية اليوم, ويكلف الرئيس رئيس وزراءه بتعديل وزاري يليق بالمرحلة خلال ساعات, فيقدم مكي نائب الرئيس وبعض الوزراء استقالاتهم, وتمتد الساعات الي أيام, ويتكفل الدكتورالعريان نائب رئيس حزب الأغلبية الحاكم بشغل فراغ الفضائيات, بدعوته اليهود المصريين للعودة وتحميل الرئيس عبد الناصر مسئولية طردهم, وليس عملياتهم الارهابية ولا شبكات التجسس ولا دعوة الصهيونية العالمية للهجرة الي إسرائيل أرض الميعاد, ونفس الأداء المرتبك تمارسه المعارضة, تستبق الانتخابات البرلمانية بالتشرذم الذي خسرت به معركة الرئاسة, ومع ظهور بوادر خروج الوزارة من المغارة, نكاد نتساءل بإشفاق وأسف: متي تستقيل؟ فقد شحت مكاسب الاستوزار, وندر الطامحون القادرون علي مسئولية بلاط الحكم! بين يدي كتاب الوزراء والكتاب ألفه أبو عبدالله محمد بن عبدوس الجهشياري فيالقرن الرابع الهجري من سلسلة ذخائر قصور الثقافة, وهو أهم وثائق الاستوزار في العصر العباسي قدم فيه نماذج للتخبط الوزاري في عصر الخليفة المقتدر بالله منهم الوزير الخاقاني الذي ولي19 ناظرا للكوفة بالرشوة في يوم واحد, وقيل فيه هجاء: وزير لا يمل من الرقاعة/ يولي ثم يعزل بعد ساعة, ويدني من تعجل منه مال/ ويبعد من توسل بالشفاعة, إذا أهل الرشا صاروا إليه/ فأحظي القوم أوفرهم بضاعة, ويكشف الكتاب العقدة النفسية العربية المرتبطة بالمنصب الوزاري, التي تفسر الفرار منه أو الاشتياق إليه, فالخاطبون للوزارة كانوا يتقربون لأمهات الخلفاء وأميرات القصور ليذكروهم عند الخليفة, فإذا تحققت قدرة الطامع علي دفع الأموال للخليفة, قلده الوزارة بشرط مناظرة الوزير السابق, ومطالبته بالقسوة والتعذيب برد الأموال التي جمعها أثناء توليته, ويبالغ في تحميل الوزير السابق حتي تعجز ثروته وثروة آله وأسرته وحاشيته والمنتمين اليه برد الغنائم والهدايا وقد يقيلهم من العمل, ولا يمضي وقت طويل حتي يشرب الوزير الجديد نفس الكأس, ويتجرع هو وشيعته وعشيرته مرارة الاضطهاد التي سقاها لمن قبله, من العمال والموظفين, فينتشر الاضطراب والظلم ومصادرة الأموال والاعتقال, وقد ضاع بسببها خلفاء مثل المأمون الذي نعاه الشاعر: أضاع الخلافة غش الوزير/ وحمق الأمير وجهل المشير, فبكر مشير وفضل وزير/ يريدان ما فيه حتف الأمير.. أليست هذه آلية عربية تاريخية للتغيير السياسي تفسر الارتباك في بلاط الحكام, ظاهرها التجديد, وباطنها أحيانا الترضية أو الانتقام ؟! المزيد من أعمدة أنور عبد اللطيف