عملية تآكل الهلال الشيعي( في العراق وسوريا ولبنان), ليست بعيدة عن مخطط التسوية التاريخية الجديدة في المنطقة وتشييد الشرق الأوسط الجديد.. وهذا الانقلاب الذي تقوده اليوم جماعات الصحوة في قبائل سنة العراق( التي سلحها دافيد بتريوس في أنبار ووسط العراق) ضد نوري المالكي رئيس وزراء العراق الشيعي( رجل إيران), هو عمل يدخل في إطار تلك العملية الإقليمية الدولية الكبري.. وأعرف أننا غارقون حتي الشواشي في المحلية, ولم نعد قادرين علي تخليق معاملات الارتباط بين مصر وما يدور في محيطها الإقليمي والدولي, ولكن الموضوع أخطر من أن نتعامي عنه. لا أحب تعبير( الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية), لأن الصراع هو بين( الدولة القومية والدولة الدينية), فقد سقطت الدولة القومية( التي نشأت بعد التسوية التاريخية عقب الحرب العالمية الأولي), لصالح صعود دول تهيمن عليها تنظيمات سنية تخوض صراعا لفرض كلمتها علي المنطقة وضرب الشيعة( وهو ملمح أساسي في التسوية التاريخية التي اخترعتها واشنطن والغرب).. ولن أفيض في الحديث عن عجز الأنظمة الثورية العربية في الدول القومية, حيث خضع حزب البعث في سوريا لإرادة زعيمه الذي ورث الحزب لابنه, وفي العراق قام صدام بقمع الحزب الذي أخضع الوطن, وفشلت الصيغتان في انتاج كوادر قادرة تكون في العقد الرابع أو الخامس, لأن تقود البلدين( ظل فاروق الشرع يراوح مكانه في السلطة منذ1975). الآن يقوم المشروع الاستعماري الجديد علي تحطيم دول المنطقة وتفتيتها من داخلها, كما فعلت أمريكا بعد الغزو في العراق حين قامت بعد المحاصصة والدستور العراقي بتحقيق سيطرة الشيعة, ثم استدعاء الاحتكاك الطائفي والمذهبي وبوادر التقسيم, وما نراه الآن من ثورة السنة هو فصل في ذلك الملف, سوف يكتمل بلعب الأصابع التركية والإيرانية في شمال العراق, مع احتمال توحد كردستان( بين العراق وسوريا وايران) بحيث تكون قاعدة جديدة مزعجة مناوئة لأنقرة, في حين يطرح انفصال أكراد إيران ويقلق طهران.. الآن تتم تهدئة إيران عبر الحديث الأمريكي عن تحسن سلوكها وهبوط تشددها, وتوجيه اليورانيوم المخصب فيها الي الصناعات الطبية, وفي نفس الوقت يتم قضم الهلال الشيعي في سوريا والعراق, مع إضعاف حزب الله في لبنان, ثم تعميق الفجوة بين الدولة المقسمة( الكانتونات) في الضفة الغربية بفلسطين وبين قطاع غزة الضعيف الجائع, وكذلك طرح سيناريو عودة اليهود إلي مصر, وزيادة نفوذ حماس في المجال الحيوي للأمن القومي المصري بسيناء( ليس بالضرورة عن طريق تبادل الأراضي), بحيث تكون المعادلة( اذا كنتم قبلتم باليهود فلماذا لا تقبلوا الفلسطينيين).. ربما بعد ذلك يتم ضرب إيران..! وربما وذلك هو الأخطر تتملص إسرائيل من التزامها في إطار التسوية, مستغلة أي مستجد عالمي أو داخلي في أوروبا وأمريكا, لندفع تكاليف فواتير التسوية جميعا دون أن نتحصل شيئا!! المزيد من أعمدة د. عمرو عبد السميع