مع اندلاع الثورة المصرية, كان المفترض أن تسقط كل منظومة الحكم والسياسة, وهو ما لم يحدث. لذا لم يكن مستغربا أن تستمر المفارقة بين المطالب الثورية في الشارع والميدان, ونظام ما زال قائما يحكم بذات القواعد القديمة ومع المضي في العملية السياسية وتوالي الاستحقاقات من انتخابات ومؤسسات وما فيها من مقاعد ومناصب, أصبح كل طرف يستدعي الشرعية الثورية لتبرير مطالب قد تكون وطنية أو شخصية, ثم يرتد ليحتمي بالشرعية القانونية والدستورية إذا لم يحقق الخروج عليها المصلحة المطلوبة, أو مثل تهديدا لمصالح قائمة. لذا فعندما وعد الرئيس المصري بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور, كان ذلك الوعد سياسيا لا قانونيا. وعندما وعد بإعادة محاكمات قتلة المتظاهرين لم يقيد وعده بالأطر القانونية التقليدية, وإنما كان يعبر عن حق في القصاص تم إهداره بتكليف الجهات المتهمة بقتل المتظاهرين بمهمة التحقيق وتقديم الأدلة ضد نفسها. وعندما بادر الرئيس المصري إلي إبعاد النائب العام عن منصبه( سواء بالتعيين سفيرا أو بمرسوم دستوري) فهو بذلك خالف القانون القائم من أيام مبارك, رغم أن الخطوة ذاتها كانت مطلبا شعبيا وسياسيا. وهنا يبدو التناقض واضحا في مواقف القوي السياسية التي اجتمعت علي رفض قرارات وإجراءات الرئيس الأخيرة بحجة أنها غير قانونية, وتمثل تغولا للسلطة التنفيذية علي السلطة القضائية. رغم أن بعض تلك القوي كان يتبني ذات المطالب مثل إقالة النائب العام ومصادرة أموال رموز نظام مبارك وإعادة المحاكمات. والبعض الآخر كان يطالب بتغيير تركيبة الجمعية التأسيسية وتشكيل فريق رئاسي متنوع وحكومة جامعة لكل التيارات. وهذه المطالب أو تلك, كلها تتعارض مع المنظومة القانونية القائمة ولا تتسق مع قواعد اللعبة السياسية الجارية. لذا لا يحق لتلك القوي الاعتراض علي خروج الرئاسة عن تلك القواعد وانتهاك القوانين لأنها هي التي طالبت بذلك بل واتفقت عليه مع الرئيس فيما عرف باتفاق فيرمونت. الخطأ في أن هذا الخروج جاء متأخرا وجزئيا, فلم يلب مطالب الثورة كاملة أو لتنفيذ وعوده التي قطعها للقوي السياسية شركاء الأمس القريب. وأخطأت المعارضة عندما وجدت أن الخروج علي منظومة مبارك القانونية والمؤسسية لم يحقق مطالبها, فراحت تعترض علي المبدأ الذي كانت تطالب به. وهو ما تقاطع مع مواقف ومخاوف منتفعي نظام مبارك وفاسديه من تلك الإجراءات الجديدة التي قد تضرب مصالحهم, فاتفق الجميع علي رفض ما يقوم به مرسي بغض النظر عن توافقه أو تعارضه مع مطالب الثورة. فبدا الأمر في ظاهره تمسكا بمبدأ عدم الخروج علي القانون أو افتئات سلطة علي أخري, بينما الدافع الحقيقي هو ما يحققه ذلك من مصلحة أو يوقعه من ضرر. ووسط هذا التناقض اختلط في كل من المصلحة والضرر ما هو وطني وعام بما هو شخصي ونفعي. لقد قبل التيار الإسلامي خوض العملية السياسية وفق قواعد نظام مبارك, أملا في تغييرها لاحقا من داخله. وكان بإمكان الإسلاميين التمسك بإسقاط تلك القواعد مسبقا وإرساء قواعد جديدة للحكم والسياسة. واضطرت بقية التيارات والقوي السياسية بما فيها الثورية, إلي التعامل بواقعية مع ذلك الوضع الذي فرضه المجلس العسكري وتجاوب معه الإسلاميون. فدخلت مصر في مرحلة انتقالية للحكم وليس للدولة, وانتقلت من حكم مباركي إلي حكم إسلامي. وإن كان ذلك بإرادة شعبية; إلا أن هدف الشعب لم يكن الوقوف عند تغيير الحاكم أو النخبة الحاكمة بأخري وإنما تغيير المنظومة كاملة. المزيد من مقالات سامح راشد