ماشاهدناه في عديد من أيام الأشهر الأخيرة من إيثار بعض المواطنين للتهييج والشغب والعنف والقسوة, ورفض الحوار, وإقدام بعضهم علي مساندة الفوضي والإثارة والإرهاب. ثم ما رأيناه من تجاهل كثير من الدعاة وأئمة المساجد وغيرهم لقضايا العنف والخروج علي القانون, وما يهم المواطنين في هذه المرحلة, وإصرارهم علي الصمت, والبعد عن ساحة الدعوة الي الحكمة والموعظة الحسنة والرفق والرحمة والوحدة والصلح والإصلاح, وتفضيلهم الاهتمام بموضوعات مكررة, والانشغال بكلام معروف لا يفي بحق الأيام التي تشهد لهيب الاختلاف, وخطر الشقاق يدعونا الي المطالبة بتجديد الخطاب الديني, وعدم قبول المواقف السلبية وارهاب الآمنين, والتنديد بمسلك العنف والإيذاء والغلظة, والتجديد الذي ندعو اليه لا يقف عند هذا الحد, بل نريده أن يسعي الي الحث علي بغض الفرقة والاختلاف والانقسام, وينطلق الي تحقيق نهضة واعية هادية في مجال الدعوة, تحمل نورا لا يخبو, وزادا لا ينفد, ومنهجا قويا يعتصم بالحكمة الرشيدة, والموعظة الحسنة, ويقود الي الخير والأمن والاستقامة والإصلاح, ويدفع الي طريق التقدم المرجو بكل ما يستطيع, والوفاء بكل ما تستلزمه حاجات الأفراد والجماعات. إن تجديد الخطاب الديني يعني استنكار العنف والفتنة, والتمسك بالأخلاق الضابطة الصارمة, كي تؤدي الأمة رسالتها علي نحو جدير بالإجلال والاحترام, وتجاهد في ظل تقوي تعمر القلوب, ومهارة في شئون الحياة, تتحول الي وسائل كفيلة بدعم الحق وسيادته.. والحق أن تجديد الخطاب الديني رسالة مخلصة لا تغفل عما يدور حولها, ولا تفرط في مسئولية توصيل ما يجب توصيله, ولا تستهين بكل ما يؤازر القيم النفسية, والأخلاق السامية, والتقاليد السمحة الرائعة. ومن أهم واجبات الدعاة في هذه الأيام الذود عن وجوه السماحة والبر والعدل, ورد سهام ذوي الاحقاد والكائدين والمعتدين والسفهاء, والعمل علي أن تكون الحياة دائما إيمانا خالصا, وعملا صالحا, واجتهادا واتقانا وعدلا في الأخذ والعطاء.. إننا نحتاج من خلال الدعوة الي تجديد الخطاب الديني الي دعاة مخلصين يقظين, من هؤلاء الذين قال فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم:( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين. إن هؤلاء الدعاة يستطيعون رعاية التسامح الديني الرحب الأفق, المسالم البار في شموله, وتوازنه, ورسالته الحافلة بالأمن والخير والعدل, الحريصة علي تأكيد أن الدين الحق ينبذ العنف والتعصب, ويزخر بأزكي الصفات وأنبل الفضائل, إن استخدام العنف والإرهاب فشل واضح وضرر بالغ, وعلي الدعاة أن يدركوا أن دعوة التجديد حين تهتم بالتقدم, تحذر من العنف والتمزق, وتستجيب لأبعد ما تطمح له الحياة من الأمن والسلام والترابط والتواد والتراحم والوحدة. إن ضعف الدعاة لن يساعد علي تحقيق الأهداف, وعندما يبرز ضعفهم يخسر الخطاب الديني خسارة جسيمة, وتهزم معارك التجديد, إذا لم تجد من يزيل القصور, وينهي العجز, وعدم المبالاة. إن من الواجب اختيار الدعاة من أوسع الناس فكرا, وأحسنهم خلقا, فالدين يفتقر الي جهد واسع, لخدمة دعوته, وتبصرة الناس بما فيه من حق وخير, وحريات موطدة, وحقوق مصانة.. إن الدعاة الذين يشغلون الناس بقضايا نظرية عفا عليها الزمن, أو خلافات فرعية لا يجوز أن تصدع الشمل, بعيدون عن التجديد الذي ننشده, والغاية السامية التي يسعي اليها الخطاب الديني.. إننا ندعو الأئمة والدعاة إلي أن يجعلوا المصالحة والوحدة أهم ما يعنون به الآن, وفاء لمصر, وحفاظا علي استقرارها وتماسكها.