كتب يوسف الجنزوري: في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري عجزا في ميزان المدفوعات, وانخفاض النقد الأجنبي عقب ثورة يناير الي51 مليار دولار, إلا أن نزيف استيراد السلع الاستفزازية مازال مستمرا. بداية من المحمول وآي فون والبلاك بيري وفانوس رمضان والشامبو وزيوت الشعر وأكل الكلاب والقطط وكريمات تنعيم البشرة, وعلاجات الشيخوخة وحبوب إعادة الشباب والمنشطة جنسيا والمياه الغازية والخس الكوري واللبان والبونبون والخمور والسجائر ولحوم الخنازير, وورق العنب ولحم الطاووس وأسماك الكافيار الأحمر والأسود والجمبري الجامبو والاستاكوزا. وطبقا للخبراء تقدر قيمة هذه الواردات من السلع الاستفزازية بنحو4 مليارات دولار سنويا, مما يؤدي الي عجز في ميزان المدفوعات. ويقول محمد غريب نائب رئيس غرفة القاهرة التجارية, إن أبرز التناقضات هو الاستيراد الترفي أو البذخي أو الاستفزازي, الذي يكلف خزانة الدولة مبالغ طائلة من الجنيهات سنويا في الوقت الذي يعاني المواطن البسيط فيه من نقص رغيف الخبز وارتفاع أسعار السلع الأساسية. ويطالب حكومة الدكتور هشام قنديل بالعمل علي حظر استيراد السلع الكمالية للحفاظ علي سعر الجنيه المصري مقابل الدولار, خاصة أن الاحتياطي النقدي انخفض الي51 مليار دولار مقابل63 مليار دولار قبل الثورة. وقال غريب إن حظر السلع الاستفزازية يعد خطوة ايجابية وضرورية لمصلحة الوطن في تلك الظروف الطاحنة, لكن بالتنسيق مع شعبة المستوردين والصناع والاتحاد العام للغرف التجارية, حيث أن هناك العديد من السلع التي يمكن حظرها غير الكافيار وطعام الحيوانات الأليفة من القطط والكلاب وغيرها, حيث ان أغلب تلك السلع يتم استيرادها لخدمة السائحين في مصر ولا تمثل نسبة كبيرة من فاتورة الواردات. وأضاف أن فاتورة الواردات في مصر والتي وصلت الي أكثر من5.3 مليار دولار في العام الماضي, لم تشهد تغيرا ملحوظا بعد الثورة ولكن الفرق هو انخفاض الاحتياطي الاجنبي ومصادر دخل الدولة, وهو ما حاولت الحكومة معالجته. وشدد محمد غريب علي ضرورة وقف واردات السلع الكمالية الترفيهية أو الاستفزازية, التي تحمل بين طياتها مصروفات كثيرة يمكن ترشيدها, موضحا أن حظر استيراد هذه السلع سيكون له تأثير ايجابي ملحوظ علي الاحتياطي النقدي الذي تآكل من63 الي51 مليار دولار, لانها ستحميه من التآكل كما أنه سيحافظ علي سعر الصرف من الهبوط خلال الفترة المقبلة. وأضاف شريف يحيي رئيس شعبة الجلود بغرفة القاهرة التجارية, ان استيراد هذه المنتجات لها عدة تأثيرات سلبية منها استنزاف العملة الأجنبية, بالاضافة الي تقليل قيمة الادخار القومي ويحدث زيادة في العجز الموجود لميزان المدفوعات, ويضعف من قيمة العملة المصرية مقابل العملات الأجنبية. بالإضافة الي أن استيراد مثل هذه المنتجات يحرمنا من استثمار هذه الأموال في مجالات انتاجية أخري, وسد احتياجات المجتمع المصري من سلع وخدمات أخري. وأشار الي أن مصر تعد واحدة من الدول التي تلتزم بعدد من الاتفاقيات التجارية الدولية ومنها اتفاقية الجات, وهي كلها اتفاقيات تحد من وضع قوانين ومعوقات لعمليات الاستيراد ولايمكن بأي حال من الأحوال نقض أو مخالفة قواعد وقوانين مثل هذه الاتفاقيات العالمية. وطالب شريف يحيي بالتوسع في التصنيع والإنتاج وهو الأسهل وأسرع الطرق التي يمكن من خلالها التغلب علي مشكلات الاستيراد ودفع الأموال الطائلة سنويا وهذا الإنتاج يمكن أن يتم من خلال طريقين, أولهما انتاج وتصنيع مثل هذه السلع حتي يتم تصديرها. وأضاف أنه لا مفر من ضرورة وضع ضوابط وقوانين تحد من الاستيراد الترفي, بحيث لا تعامل هذه السلع المستوردة معاملة السلع الغذائية والمواد الأولية التي تستخدم في الزراعة والصناعة. ويضيف أحمد البنا الخبير الاقتصادي, ان مصر بعد ثورة يناير تعاني عدة تحديات خلال الفترة الراهنة يعرفها الجميع, وتتمثل في نقص النقد الأجنبي لأقل من النصف ليصل الي51 مليار دولار مقابل63 مليارا قبل الثورة, بالإضافة الي نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية والارتفاع الحاد في الأسعار, بالإضافة الي باقي المعوقات والمشكلات الأخري التي تجعل المواطن المصري يشعر بالإحباط, في حين يري أن هناك فئات أخري تعيش معه في نفس المجتمع تصرف بكل هذا البذخ والترف سلعا ومواد أقل ما يقال عنها انها منتجات تافهة وعديمة القيمة. وأضاف أن فتح باب الاستيراد علي مصراعيه دون رقابة جادة, لما يتم استيراده يؤدي بصورة أو بأخري الي استفزاز الطبقة العظمي من أفراد الشعب المصري والتي تعاني الغلاء وارتفاع السلع والمواد الأساسية الضرورية, وهذه صورة استفزازية لا يمكن تقبلها في هذا الوضع وقدر البنا استيراد هذه السلع بنحو4 مليارات دولار سنويا. ويوضح البنا: طغيان الإعلان وتكنولوجيا التسويق ووسائل التأثير علي العقول يبدأ بالترغيب وينتهي بالإجبار السيكولوجي, وثقافة الاستهلاك مرتبطة بصناعة جديدة هي صناعة المستهلك بوسائل غير مباشرة عديدة منها الأفلام والمسلسلات وظهور شخصيات في برامج تجعل الفرد يقارن بين حاله وحال الآخرين, سواء في مجتمعه أو في المجتمعات الأخري, مثلا ظهور شخص في التليفزيون وفي رقبته رباط عنق ثمنه كذا وفي معصمه ساعة بمئات الآلاف من الجنيهات وبدلة بالآلاف وحذاء بكذا وسيارة فارهة يسرف في ذكر مزاياها, لابد أن يكون له تأثيره النفسي لدي المشاهد مهما يكن مستواه الاجتماعي وقدرته المالية, إنها ثقافة الفشخرة. ونحن في مصر بعد ثورة يناير في أشد الحاجة الي ثورة ترشيد الاستهلاك, خاصة أن الأوضاع الاقتصادية صعبة وليس صحيحا ما يقال من أن ترشيد الاستهلاك من الأمور المتعلقة بالحرية الشخصية. وأشار تقرير المجالس القومية المتخصصة, الي أن الثورة الإعلانية التي تلح علي المواطن جعلت الاستهلاك ثقافة مفروضة بما تبدعه من عناصر التشويق التي تشعر الإنسان بالقهر والحرمان اذا لم يحصل علي هذه السلع الكمالية, وتكفي مشاهدة السيل المنهمر من الإعلانات علي أكل الكلاب والشامبو والمحمول وزيوت الشعر وكريمات تنعيم البشرة وعلاجات الشيخوخة وحبوب اعادة الشباب والمياه الغازية وعروض الأزياء وغيرها, دفعت الملايين الي الهرولة نحو سلع استهلاكية ترفيهية دون الحاجة إليها. وأضاف التقرير أن الشعوب النامية تميل نحو الاستهلاك الترفي والأسباب نفسية, أهمها أن الاستهلاك في نظر البعض يرضي تطلعهم الي الرقي الاجتماعي ورفع مكانة الشخص في المحيط الذي يعيش فيه, فمن يملك اثنين أو ثلاثة تليفونات محمولة يتباهي بها, ومن يملك بلاك بيري أو آي فون يستعرضه أمام الآخرين كأنه يساير التطور والموضة بصرف النظر عن أعباء التكلفة وما تسببها من أزمات, انها ثقافة التفاخر التي تضفي علي الشخص المكانة والهيبة كما أنها رمز للترقي في السلم الاجتماعي. رصد تقرير المجالس القومية التوسع في استيراد السلع الكمالية واستغلال شريحة رأسمالية للانفتاح للتوسع في الأنشطة الطفيلية السمسرة المضاربة في الأراضي والعقارات التهريب الواسطة التخليص, وتحقق ثقافة الاستهلاك مصالحها ولذلك فهي تدعم هذه الثقافة, بالإضافة الي دعم الشركات العالمية الكبري لوكلائها المحلية لتمويل الحملات الإعلامية والإعلانية وتجنيد بعض أصحاب الأقلام الإعلاميين للمساهمة في تشكيل العقول وأذواق الناس واغرائهم وزيادة تطلعاتهم. ترشيد الاستهلاك إذن وزيادة الادخار من ضرورات التنمية في ظروف المجتمع المصري, وليس صحيحا ما يقال من أن ترشيد الاستهلاك من الأمور المتعلقة بالحرية الشخصية واقتناع كل واحد علي أن الاستهلاك سلوك فردي, والحقيقة أن سلوك الفرد هو سلوك اجتماعي ويتأثر بالسياسة العامة للإنتاج والاستيراد والاستثمار والادخار.