تشير كل الدلائل الي أن النقد المسرحي قد بدأ حياته بشكل منظم وصحي في مصر ابتداء منذ عام1954 في مجلة آخر ساعة وكان يرأس تحريرها الاستاذ محمد حسنين هيكل. ففي هذا العام كان الاستاذ محمد حسنين هيكل قد استطاع بحملاته المتعددة طوال عامين علي النفاق السياسي, والفساد الاجتماعي, والتمثيل الدبلوماسي القديم, أن يعيد الثقة الي الكلمة المكتوبة ويرد لها احترامها الذي تعرت عنه زمنا, وتم ذلك بشكل عملي عن طريق تقديم عمل صحفي يعتبر نموذجا راقيا لما ينبغي أن تكون عليه الصحافة وحين أفردت آخر ساعة جزءا من صفحاتها للنقد الفني والادبي. وعهد الي فتحي غانم ورشاد رشدي بمسئولية الاشراف علي هذه الصفحات, نجحت التجربة نجاحا عظيما, ولم يكن سر نجاحها هو رشاد رشدي أو فتحي غانم وحدهما فقط, وانما كان سر النجاح يرجع اساسا الي المواد الاخري التي تضمها آخر ساعة. نعلم أن الفكرالادبي وحده يعني الخسارة المادية المحققة. رغم هذا كله نجحت فكرة الصفحات الادبية في الصحافة الاسبوعية, وكان نجاحها هذا هو نقطة التحول في النقد الصحفي, وإلي نقطة التحول هذه يعزي اتجاه المجلات الاسبوعية والصحف اليومية الي الاهتمام بالادب والفن.. فحين استطاع الجهد المخلص والكفاية أن يردا للكلمة المكتوبة احترامها لم يعد هناك عائق يقف أمام الاقلام الطيبة من دخول ميدان الصحافة للكتابة عن الادب والفن والمسرح, وهكذا رأينا الدكتور محمد مندور يكتب في جريدة الشعب ورأينا الدكتور لويس عوض يكتب في جريدة الجمهورية, وخرجت المساء بتقليد الصفحات الادبية والفنية, ولم يعد أساتذة الجامعة كالدكتور عوض ومندور وبنت الشاطيء يجدون حرجا في الكتابة للصحف وانما أصبح يشرفهم أن يكتبوا للصحف, ولئن كانوا قد تركوا هذا العدد القليل من تلاميذهم في الجامعة فقد تركوه إلي عدد هائل من الناس, وصارت مسئوليتهم أكبر وأعمق لانهم يؤثرون في الناس علي اختلاف مستوياتهم وينقلون اليهم قيما جديدة عن الحياة والفن. نقطة التحول الثانية ومع النهضة المسرحية واتساع رقعة النشاط المصري عاودالاهرام تقييمه للانتاج المسرحي تحت اشراف الدكتور لويس عوض المستشار الثقافي للجريدة. ولسوف تكفي نظرة سريعة علي حقل النقد المسرحي اليوم لنقول كم تثلج هذه النظرة صدر من يعنيهم رقي المسرح.. ان سيدا من سادة النقد هو محمود أمين العالم وقد احتجب زمنا يعود إلي عطائه المتفائل في المصور, ولويس عوض يحاول ان يعيد للكلمة براءتها من منبرالاهرام. وبنت الشاطيء تواصل جهادها المقدس وتكمل رسالة استاذها وزوجها الشيخ الجليل امين الخولي, وحسين فوزي يعلم السائرين في الطرقات كيف يحبون الثقافة والموسيقي والحياة وإلي جوارهم عبد القادر القط وعبدالفتاح البارودي وأنيس منصور ورشدي صالح وغيرهم من الاساتذة ولاتزال كلمات المعلم مندور رحمه الله تضيء لتلاميذه وخلصائه, ومعهم من البقعة نفسها التي يقاتلون منها لإحياء الثقافة وتطوير المسرح تمضي مجلة المسرح التي تتوج جهود النقاد المخلصين, ويفرض مجرد وجودها كما يفرض محتواها علي الصحف والمجلات أن تزيد من اهتمامها بالمسرح وأن تلاحقه سواء بالخبر أو التحقيق أو التعليق النقدي.. ولكيلا ننسي جيلنا من شباب النقاد نقول أنه الي جوار أساتذة النقد عديد من الشباب المخلص الذي يحاول إرضاء لأساتذته أن يتفوق عليهم.