كتب : محمد شعير الرئيس شعر بصداع بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء!.. بهذه الكلمات القصيرة,التي جاءت كمانشيت رئيسي لصحيفة المستقبل العراقي الأسبوع الماضي, يمكن تلخيص الأزمة السياسية التي تمر بها العراق حاليا, بعد اصابة الرئيس جلال طالباني بجلطة دماغية دخل علي اثرها في غيبوبة,ودخل معه المشهد السياسي بالكامل في أجواء ضبابية, لا تبشر كثيرا بالخير.. ولذلك أسباب عديدة. ولعل القاء الضوء علي المقابلة الأخيرة التي أجراها الرئيس قبل اصابته يمكن أن يكشف جانبا من الأزمة,اذ حاول طالباني خلال لقائه برئيس الوزراء نوري المالكي نزع فتيل صراع خطير يأخذ في التزايد,وبدأ يتحول الي مواجهة علي الأرض,بين الحكومة العراقية المركزية في بغداد بزعامة المالكي وحكومة اقليم كردستان, الذي تصفه وكالات الأنباء العالمية حاليا بأنه الاقليم شبه المستقل! والأزمة بين الجانبين.. أو بين العرب والأكراد في العراق بوجه عام.. ليست وليدة اليوم, لكنها كانت تخبو ثم تعود لتظهر بين آن وآخر, فالأكراد الذين ذاقوا الأمرين وتعرضوا للذبح والقتل والتنكيل والابادة علي يد الرئيس العراقي السابق صدام حسين أصبحوا يرون بعد سقوطه أن من حقهم أن يتمتعوا بجميع مكتسبات الحكم الذاتي( شبه المستقل) في اقليم كردستان,فقد أصبح لهم حكومة خاصة وبرلمان مستقل وقوات أمن تسمي( البشمرجة) بل وعلم أيضا. وفي المقابل فإن الحكومة المركزية في بغداد برئاسة المالكي تحاول بسط نفوذها وممارسة سيادتها علي جميع أنحاء العراق..ويزداد الصراع سخونة بل وخطورة اذا ما علمنا ان التنازع ايضا يجري علي مساحات من الأرض تعوم علي بحيرة من النفط, هي كركوك, والتي توصف في أدبيات الصراع بأنها الأراضي المتنازع عليها! ومؤخرا.. قام كل من الجانبين بارسال قوات عسكرية علي طول الحدود الداخلية.وهو ما كان نذير خطر كبير, بدأت شراراته بالفعل عندما أطلقت قوات( البشمرجة) الكردية النار علي طائرة هليكوبتر تابعة للجيش العراقي قرب بلدة سكانيان إلي الشمال من كركوك التي يسكنها خليط عرقي لمنع الطائرة من التقاط صور لمواقعهم العسكرية. ليس ذلك وحسب بل ان أنور عثمان نائب وزير الشئون العسكرية الكردي وصف الواقعة بأنها رسالة واضحة إلي أنه في المرات القادمة سيكون الرد أكثر صرامة. ووسط نذر الحرب بين الجانبين.. التقي الرئيس طالباني( الكردي) برئيس الوزراء نوري المالكي الأسبوع الماضي,وخرجت البيانات الرسمية بعد اللقاء هادئة كالعادة,لا تشي بشئ, حيث أوضحت أنه تم التأكيد علي ضرورة اعتماد التهدئة والحوار المبدئي الصريح والشفاف والعمل بروح الدستور والتوافقات والاتفاقات الوطنية لأن ذلك هو السبيل لبناء العراق علي قيم الشراكة والتآخي.. ولم يذكر البيان بالطبع ما ذكرته صحيفة المستقبل العراقي من أن الرئيس طالباني شعر بعد ذلك بألم في الرأس وصداع شديد ثم دخل في غيبوبة عقب اللقاء, وانه كان يشعر بألم وقلق كبيرين بسبب الأوضاع التي آلت اليها العملية السياسية,وانه لم يكن راضيا عن المعطيات التي آلت إليها اجتماعاته بالكتل والشخصيات السياسية لحل المشكلة ولم يكن مرتاحا للطريقة التي يتم بها معالجة الأوضاع والخلافات السياسية وعبر عن حزنه من ان الكتل السياسية لم تحرز اي تقدم في موضوع انهاء الصراع القائم. والواقع ان هذه ليست المرة الأولي, أو القضية الوحيدة,التي يلعب فيها طالباني دور صمام الأمان الذي يمنع انزلاق الأمور الي الأسوأ, فقد عرف عنه الاعتدال,والاسهام في حل كثير من النزاعات السياسية التي تنشب بين الكتل السياسية الطائفية المختلفة, وبالتالي فإن غيابه ربما يفتح الباب أمام صراعات سياسية معقدة,قد تذهب لما هو أبعد بفتح أبواب الجحيم, لاسيما في ظل هشاشة وضع حكومة المالكي الذي تمادي في معاداة الجميع,من السنة والشيعة والأكراد. وربما يؤخذ علي الرئيس طالباني أنه لم يقم بالتصدي بشكل كاف لتغول المالكي في السلطة, وسياسة اقصاء المعارضين, بل ان طالباني لعب دورا حاسما في نجاح حكومة المالكي في تخطي تصويت علي حجب الثقة في البرلمان, لكن ينبغي الاشارة في المقابل الي أن منصب الرئيس في الدستور العراقي بشكل عام وان كانت له بعض الصلاحيات الا أنه يميل الي أن يكون منصبا شرفيا,حاول طالباني استغلاله في التوفيق بين الفرقاء... وهكذا.. فإن الجلطة الدماغية التي أصابت الرئيس طالباني الأسبوع الماضي قد صحبتها جلطة أخري أصابت رأس المشهد السياسي العراقي,الذي دخل هو الآخر في غيبوبة,وبدا أنه يرقد في انتظار من يقدم له الدواء الشافي لا المسكنات, والواقع أنه لا دواء سوي بالحوار والحكمة والتوافق..بين مختلف الفرقاء العراقيين..فهل هم قادرون فعلا علي تذويب الجلطات فيما بينهم؟