أنا لو أمام قاض صعيدي مكانش إدي براءة؟ أصل القاضية من مصر الجديدة براءة إن شاء الله؟ عايزين القاضي إنسان زينا وعارفنا ومننا, قاضي من هنا عندنا( كلمات مواطن فاقوسي حينما قلت له اني مش فاهم قصده لأني قاضي من القاهرة). تلك التعليقات اسمعها من المتقاضين في تقييمهم أو تنبؤهم بالأحكام لتعرف الحكم اعرف من أين جاء القاضي! هذه التعليقات دفعتني للتفكير في طريقة عمل العدالة وكيف يطبق القضاة القانون؟ هل بالمنطق أو بالأخلاقيات؟ وإذا كانت الأخلاقيات فأي اخلاقيات؟ اخلاقيات قبلي ولا بحري ولا بتوع بره؟ اخلاقيات المجرم ولا الضحية؟ اخلاقيات القاضي ولا المحامي؟ ولا أخلاقيات أمنية؟ هل ستختلف الأحكام إذ ما كانت من محكمة ذكورية أو أنثوية. إن وجدان القاضي هو الأساس في حكمه وذلك قبل القانون أو الدين. ولكن من أي أساس ينبع ذلك الوجدان الذي نسميه الحس القضائي ؟ أيولد مع القاضي الذكر فقط أم يكتسبه من عمله؟ أم يتحدد من وسطه البيئي والديني والمجتمعي الذي عاش وتربي فيه. أو من عاداته وتقاليده؟ إن الاجابة عن ذلك التساؤل محيرة فأنت تستطيع أن تقول بأي مما سلف ولذلك فالطبيعي ان تختلف تقدير العقوبات المقدرة من القضاة عن الواقعة الواحدة. ولكن ما أهمية هذه النتيجة وما هو تأثيرها؟ إن أهمية النتيجة تتمثل في وجوب بيان معرفة الأساس الصحيح الذي يكون منه القاضي العضوي ذكرا كان أم أنثي عقيدته ووجدانه. واعتقد أن الحس القضائي للقاضي يجب أن يكون هو المحرك والمقدر لأي حكم علي أي جريمة وتقدير عقوبتها. والحس القضائي هو الواقع الانساني الذي يجب أن يعيشه كل قاض فالواقعية والعقلانية هي المرجعية التي يطبق بها القانون لكون نصوص ذلك القانون لا تري الواقع ولا تعيش فيه فالقاضي هو الذي يبث الروح في النصوص والقوانين ويجعلها تعقل وتعيش ثم يستمع إلي كل الآراء عامة من الكتاب والأدباء والمثقفين والصحفيين والفلاسفة ورجال الدين ثم تأتي بعد ذلك مرحلة القدرة علي التقييم, علما بأن التقييم يتطلب خبرة ومن قبلها تجربة وفي النهاية يكون الفهم. وبهذه الطريقة نحمي القانون من أن يتحول إلي سيف مسلط علي رقاب العباد. ومن هذا المنطلق فإن كون القاضي الذي مر بذلك الطريق سيكون قاضيا إنسانا ذكرا كان أو أنثي. اعتقد ان الرافضين لاشتغال المرأة بمجلس الدولة للأسباب التي مردها عضوية كتحقيق الخلوة في المداولة وضعف عاطفتها وسرعة تأثرها فإنه علي هذا الأساس العضوي سيجب ان نغلق المحاكم بل ونسرح النيابة لأننا في الحالتين نجرد المحاكم والنيابة من محاولتهما الوصول إلي العدالة ولوجب أن نكتفي برجال البوليس لكونهم عضويا أجدر من القضاة لتحقيق عدالة الشارع بالقوة. إن حمي سيطرة القانون علي العدالة أو سيطرة الأخلاقيات الاجتماعية المتغيرة بمرور الوقت علي مباديء الشريعة أو سيطرة فكر فئة علي حق40 مليون أنثي, يجب أن تتوقف ولا سبيل لايقافها إلا بوصول القاضي لمعرفة الحس القضائي, فالقاضي الانسان هو المحكمة الأخيرة, والقاضي يجب أن يحكم من منطلق انه انسان ولو شعر القاضي بأنه انسان ما رفض تعيين المرأة التي فدت بنفسها في معركة بدر النبي صلي الله عليه وسلم. إن العقلانية والواقعية هي من صميم تصرفات القاضي, والقيم المتعلقة بالسلوك الانساني لن يحسها القاضي إلا عن طريق التعايش والمشاركة ومردود ذلك أن علي القاضي أن يعرف أن كل شيء قابل للقياس, وأن المحيط الذي من حولنا هو الذي يقرر عنا. ان عمل المرأة كقاضية يجب ألا تكون أسبابه مبلبلة بنوع من الأنانية لفئة أو جنس أو عرق أو حتي جريمة يجب أن تتسع روح المواطنة فتتدخل في كل القوانين لتبلغ مستوي شاملا. إن فتح الباب أمام القضاة جميعا ذكورا وإناثا في التفكير والتأويل والمشاركة والتعايش والشرح والاجتهاد من أجل تكييف المعطيات التشريعية مع مقتضيات التطورات المجتمعية هو السبيل للعدالة. إما الاخلاص الأعمي للنصوص ورفض التجديد والانغماس في الشكليات القضائية والعدالة العضوية, فمردوده تراجع تلك العدالة العضوية!! فتعالوا معا يا قضاة مجلس الدولة ننقل الحديث من انحياز القضاة إلي الانحياز للقضاء.