عند الشعوب الطيبة, المستعدة د ائما لتسليم عقولها بلا تردد لأول ألعبان يعبث بها, من السهل جدا ممارسة ألاعيب الخداع العقلي. وإذا أضفت إلي ذلك سحر النشوة التي تصيبك, وأنت تتابع مبهورا ذلك الصندوق السحري الصغير المضيء الذي هو في نهاية الأمر قطعة من الحديد وتتكلم( التليفزيون يعني!) فأنت بامتياز أمام مصيدة لاعمل لها إلا أن تأكل بعقلك حلاوة! وتكون الطامة الكبري, عندما يستخدم قطعة الحديد المضيئة اللعوب هذه مهرجون هواة مغامرون, لا دراية لهم بقواعد الإعلام الصحيح المنضبط, وأصوله ومواثيقه, وآنئذ نكون أمام سيرك بلدي متخلف, علي طريقة جلا.. جلا.. فين السنيورة ياجدع! سيقول المهرجون: يا أخي الناس يريدون أن يضحكوا.. أضحكهم. الناس ياعزيزي محبطون مكتئبون بسبب ما يجري في البلد هذه الأيام, إذن لنقدم لهم التسلية مجانا. الناس يا عمنا زهقت من كلام المثقفين الكبير المعقد, هيا نخرجهم من هذا المود الكئيب.. هيا بنا نلعب! تلك هي حجج المهرجين. فمن هو المهرج؟ لو أن سيادتك أخذت أطفالك, وذهبت بهم إلي السيرك, فسوف تجد أن المهرج يتم تقديمه بين الفقرات الجادة, وستراه يرتدي ملابس عجيبة, ألوانها ملخبطة غير منتظمة.. لماذا؟ لأنه يصرخ في الناس منذ البداية: لاتنسوا, ما أنا إلا مهرج.. أما السيرك الحقيقي فهو شيء آخر غير ما أقدمه لكم. المهرج مهرج. انه مجرد فقرة هامشية بينما الألعاب الخطيرة الجادة المدروسة بعناية هي الأساس, وإلا سقط اللاعب, وانهارت اللعبة, وقد ينهار السيرك كله علي رء وسنا لاقدر الله. في إعلامنا الحالي يحدث العكس. لقد أصبح المهرج للأسف هو سيد السيرك. تابعهم وهم يتحدثون, أرجوك دقق فيما يقولون, لاوثائق أو مستندات معهم تؤيد حججهم, ولامناقشة هادئة متوازنة موضوعية تكشف الحقائق للمشاهد.. فقط صراخ وضجيج, وأحيانا ردح من النوع الحياني الذي نراه في حارات العشوائيات الضيقة المظلمة, وبعضهم قد تكون وراءه أجندة يعلم الله من صاحبها! حذار أن تنخدع بكلامهم. كن فطينا وقل لنفسك عندما يخرجون إلي الشاشات: آه.. هاهي فقرة المهرج قد بدأت. هل نحن هنا نتجني عليهم ؟ طيب... إليكم مثالا واحدا: خد عندك: عندما يخرج أحدهم, لم يسبق له أن درس إعلاما ولا حتي اشتغل متدربا في مؤسسة إعلامية, بل جاء من مدرسة الفيس بوك( ويالها من مدرسة عريقة لتخريج الشوامخ من الكفاءات والقمم!) ثم يسمح لنفسه بالتطاول علي كل خلق الله, مستغلا مناخ الحرية السمجة البلهاء الفوضوية, الذي نحياه الآن.. فما قولك في هذا العبث؟ إن لعبة لخبطة المونتاج التي يتبعها البعض الآن بحجة الرغبة في اضحاك الناس لعبة في غاية الخطورة لعدة أسباب أولا: لأنها تقوم علي الخداع, وحذف مقاطع من السياق العام للكلام, وتوصيل مقاطع بمقاطع اخري لتخليق سياق مختلف ومضلل. اليس في ذلك غش وتدليس وضحك علي الذقون من نوع ما؟ ألا يذكرك ذلك بمن يقرأون آية القرآن الكريم ولاتقربوا الصلاة, ثم يصمت, بينما بقية الآية الكريمة تقول وأنتم سكاري؟ وثانيا: أن القائمين علي هذا القص واللصق الرخيص يستغلون فكرة المضحكة فيهينون الناس, كبيرهم قبل صغيرهم, فمن يحمي هؤلاء المهانين؟ ومن أعطي هذا اللاصق! الحق في تجريس الآخرين بحجة ياعم.. نحن نهزر؟ وهل في ذلك عدل؟ وثالثا: إن هذا النوع من البرامج يتم توجيهه إلي الشباب, فيعتقدون أن العبث والملهاه وإهانة الآخرين بلا حساب أو محاسبة هي أصل الحياة, فإذا علمنا أن هذا الجيل الجديد, المستهدف بهذا العبث الفارغ, المفروض فيه أنه هو الذي سيبني مصر الجديدة المتقدمة.. فهل يمكننا أن نتحدث مثلا عن مؤامرة ماعلي عقل هذا الجيل, بعد أن أشهر الجيل القديم إفلاسه والحمد لله؟. لاشك في أن التسلية, والترويح عن النفس, والضحك, هي أمور مطلوبة للإنسان, لكن أن يسعي البعض إلي جعل المهرج هو أساس لعبة الحياة ليختفي الأصل الحقيقي, الذي هو الجدية, والعمل وبذل الجهد.. فهذا مالا يجوز أن نسمح به.. لذا وجب التنبيه! المزيد من مقالات سمير الشحات