الحالة الثورية التي تعيشها المحروسة منذ25 يناير لا تخلو من سلبيات, لعل ابرزها التورط في ممارسات تقود الي تدمير مؤسسات الدولة وقوتها الرمزية, والمفارقة ان هذه الممارسات جرت ولا تزال باسم الشرعية الثورية رغم وجود رئيس منتحب. ويبدو ان تفكك شرعية الدولة وتراجعها عن القيام بوظائفها, كما هو الحال في كل عمليات التحول السياسي, سمح بالتمادي في هذه الممارسات. واعتقد ان المراهقة الثورية احيانا, و الاستقطاب والصراع السياسي, وضيق افق النخبة سمح وربما شجع شباب الثورة والاحزاب والقوي السياسية علي قطع الطرق وحصار المحاكم, والكنائس ومجمع التحرير ومبني الاذاعة والتليفزيون, وحصار المحكمة الدستورية وقصر الاتحادية, ومدينة الانتاج الاعلامي, ثم تصاعد تدمير مؤسسات المجتمع ليطال مقار حزب الحرية والعدالة ومقار الاحزاب, مع تهديد قيادات سياسية واعلامية, علاوة علي حصارمسجد القائد ابراهيم والتلويح بحصار الصحف وتعطيل مترو الانفاق. قد يقال ان الاحزاب لم تتورط في هذه الممارسات لكن سكوت قوي المعارضة والموالاة عن ادانة هذه الممارسات خوفا من مزايدات ادعياء الثورة امر لايمكن القبول به, وهنا لعل الية الصراع والاستقطاب السياسي والثقافي تفسر كثيرا من مواقف الصمت او الادانة التي اتخذتها الاحزاب والقوي السياسية, بشكل برجماتي ووفق معايير مزدوجة, فعندما حاصر متظاهرون المحاكم لم تلتقط اغلبية القوي السياسية خطورة الواقعة وتأثيرها السلبي علي سير العدالة واستقلال القضاء, فالواقعة غير مسبوقة ولايمكن ترويع القضاة تحت اي مبرر, لكن مسلسل الترويع استمر.. الي ان وصلنا الي حصار المحكمة الدستورية العليا. وعندما توجهت مظاهرات سلمية الي ماسبيرو للإعلان عن رغبتهم في تطهير الاعلام, بدا الامر طبيعيا ومفهوما لكن عندما تحولت بعض المظاهرات الي اعتصامات تمنع دخول الإعلاميين, فانها دخلت دوائر ارهاب وترويع الاعلاميين وتهديد حرية الاعلام. ومع ذلك لم تتحرك القوي المدنية او الاسلامية ربما لانها كانت تتفق علي ضرورة تطهير الاعلام واستقلاله عن المجلس العسكري. ايضا لم تدين قوي المعارضة مسلسل حرق مقرات حزب الحرية والعدالة بطريقة مرضية تجمع بين القول والفعل وانما اكتفت باصدار بيانات روتينية, كما لم ترفض حصار بعض المتظاهرين لقصر الرئاسة والهجوم علي موكب الرئيس, بينما بالغت قوي الموالاه في ادانتها لما حدث, وتورطت في استعمال العنف ضد عدد من المعتصمين مما اسفر عن دماء وتجاوزات غير مسبوقة امام مقر الرئاسة المصرية. هكذا هيمن التوظيف السياسي في اطار الصراع والاستقطاب علي مواقف المعارضة والموالاة ازاء تجاوزات وسلبيات لاتمت للديمقراطية بصله, والامثلة كثيرة, وأشهرها تورط المحسوبين علي شباب الثورة والقوي المدنية بحصار الاتحادية, والمطالبة باسقاط الشرعية عن الرئيس, في المقابل ذهب شباب الاخوان للدفاع عن الاتحادية واستخدموا العنف مع المعتصمين, بينما انفرد انصار حازم ابو اسماعيل بفرض حصار طويل علي مدينة الانتاج الاعلامي, وشن حملة تخويف ضد كل القنوات الفضائية الخاصة غير الدينية, تحت دعوي انها متحيزة ولا تراعي المعايير المهنية ومواثيق الشرف الاعلامي, وانا اتفق معهم في ذلك, لكن اختلف معهم في طريقة اعلان الموقف ومعالجة مشكلات الاعلام, حيث اننا نعاني من تراجع واضح في مستويات الاداء المهني والاخلاقي لكل وسائل الاعلام, علاوة علي زيادة التسيس والذي ارتبط بالاستقطاب والصراع السياسي, لكن المفارقة ان منصات المعتصمين المحاصرين لمدينة الانتاج لم تتطرق الي هذه الموضوعات بل ركزت علي سب وتخويف الاعلاميين, وتجاهلت التجاوزات المهنية التي ترتكبها القنوات الاسلامية وتستخدم فيها عنفا لفظيا يصل احيانا الي التشكيك في عقيدة المخالفين لهم. هكذا استخدم محاصرو الانتاج الاعلامي والمحكمة الدستورية والاتحادية معايير مزدوجة وخلطوا اوراقا كثيرة تنطوي علي تناقضات, مثل ادعاء انهم يمثلون الشعب, او انهم اكثر علما ودراية من بقية المواطنين بمؤمرات تحاك في الخفاء, رغم انهم ليسوا سوي اقليات نشطة ومنظمة. والكارثة ان هناك من يدافع عن كل هذه التجاوزات تحت دعوي انها اعتصامات سلمية, لم يستخدم فيها العنف, ولم تمنع الاعلاميين او القضاه او الرئيس من ممارسه اعمالهم, لكن الحقائق علي الارض تقول بحدوث حالات منع واعتداءات, كما ان مشاهدة مقاطع من خطاب منصات هؤلاء علي اليوتيوب او حتي قراءة الشعارات التي رفعوها تؤكد اننا ازاء عنف لفظي ينطوي علي تهديد ووعيد, وسب وقذف واتهامات خطيرة بلا سند او برهان, تبتعد عن اسس وتقاليد التظاهر السلمي, والفروق واضحة ومعروفة بين التظاهر السلمي والاعتصام حق للجميع وبين وحصار المؤسسات العامة وتعطيل عملها دون تحديد مطالب منطقية وشفافة, وهناك اختلافات كبيرة ايضا بين حرية التعبير من خلال التظاهر وبين السب والقذف والتهديد والوعيد الذي يخلق مناخا ارهابيا يهدد الحريات العامة والشعور بالامن, لذلك لابد من الافصاح والشفافية السياسية والاخلاقية عن الاختلافات بين التظاهر السلمي وحصار المنشات العامة وترويع العاملين, ولابد من التزام كل القوي السياسية بها, حتي لاتقع مصر والحريات العامة تحت ارهاب الاقليات المنظمة والمتصارعة والتي قد تقود الوطن الي حروب اهلية. هناك اخطاء للرئيس, وهناك ممارسات غير مهنية ومرفوضة سواء من الاعلام الخاص اوالمملوك للدولة, وكذلك القنوات والصحف المحسوبة علي التيار الاسلامي, لكن الحل ليس في حصار المباني والمؤسسات او ترويع وتهديد العاملين فيها, وانما هناك حلول كثيرة يمكن للجماعة الوطنية ان تتوصل اليها عبر الحوار والتفاوض من اجل ضمان استقلال القضاء ومهنيته, وكذلك مهنية الاعلام والتزامه بمواثيق شرف اعلامي, فليس من المعقول ان يكون الجسد الاعلامي الضخم حتي الان بلا مواثيق شرف اعلامي او نقابات للعاملين في الاذاعة والتليفزيون, ولنبدا بالحوار والبحث عن كيفية الخروج من هذا المازق. لكن هل يمكن للحوار ان يبدأ او ينجح في ظل هذا المناخ السياسي المنقسم والمحتقن ؟ المزيد من مقالات محمد شومان